اعتبارا لمؤهلات المغرب الطبيعية حيث تنسجم الوحدة بشكل متناغم مع التنوع الجغرافي و البشري و الثقافي...فإن مغرب اليوم بعد أن تراكمت لديه التجارب ...قد بلغ مستوى من النضج يؤهله لولوج مرحلة جديدة لترسيخ الديمقراطية المحلية التي ستوظفها الجهوية لخدمة الازدهار الاقتصادي و الاجتماعي ."([1])
انطلاقا من المعطيات السابقة يمكن تسجيل أن الجهوية أصبحت في المغرب بمثابة ركن الزاوية في التدبير الترابي و الاقتصادي و الاجتماعي لمجال المملكة حاليا و مستقبلا وأن هذه الجهوية لم تعد أداة للتدبير الإداري الضيق و إنما وسيلة أساسية للتنمية المحلية وتدعيم للامركزية .
إن هذا النضج في الاختيار و التبني جاء نتيجة تراكم تجارب متعددة و متنوعة مر بها المغرب منذ الاستقلال وصولا إلى تقسيم 1997 ، واستشرافا لتقسيم جديد في الأفق على ضوء تصور التصميم الوطني لإعداد التراب SNAT 2003 و كذا فكرة الجهوية المتقدمة التي جاءت لتمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا.
إن الاوراش التنموية القائمة تجعل من الجهة أساس حقيقي وشريك للدولة في وضع المشاريع و تنفيذها و تتبعها وبالتالي فهي أداة للمساهمة في الإقلاع التنموي بالبلاد . وفي ترسيخ الحكامة الجيدة.
احتلت الجهوية مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق الديمقراطية المحلية من خلال دعم السياسة الجهوية التي شيدتها الإصلاحات الدستورية والسياسية.
وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع اللامركزية لأنها تشكل أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناتها.
وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثيلي للمملكة وتوفير فضاء جديدا للتداول والتشاور والإنجاز، خصوصا بعد أن تبين فشل إدارة التسيير المركزي المفرط.
إن معالجة موضوع الجهوية قد تختلف من مهتم لآخر وذلك حسب زاوية الرؤية و التخصص العلمي و الدافع وراء الدراسة و المعالجة فبين القانوني و الاقتصادي و الجغرافي والجمعوي اختلافات تساهم لامحالة في إغناء النقاش في موضوع لم يعد حكرا على مجال محدد بل أصبح يغري كل المتدخلين و الفاعلين كونه يلامس اليومي بامتياز .
إن محاولة تناول موضوع الجهوية بالمغرب تفرض منهجية معينة انطلاقا من المدخل التاريخي، وتعريف المفاهبم الاساسية وجرد التقسيمات المجالية الكبرى التي شهدها المغرب، ثم التطرق إلى التقطيع الإداري ومساهمته في التنمية المجالية بالمغرب.
_1الإرهاصات الأولى للممارسة الجهوية بالمغرب:
أ_التقسيم المجالي ما قبل الحماية:
إن طبيعة المجال تقوم بتحديد دوره، وهنا نجد أن المناطق الشمالية المطلة على الخارج أو المناطق الساحلية كطنجة، سوس، سلا، سبتة ووليلي، تعكس مظاهر الاستعمار القادمة من البحر" الفينيقيون، القرطاجيون، الرومانيون..."، و هناك المناطق الجنوبية التي تأثرت بالطابع الافريقي أكثر، لكن مع قدوم الفتح الاسلامي نشأت روابط ما بين الشمال و الجنوب أدت إلى تثمين البنية الحضرية و تقويتها و مع نشوء مدينة فاس نشأ ذلك المركز الاقتصادي القوي داخل البلد الذي يعطي نوعا من التماسك للاندماج الترابي، اتفق أغلب الباحثين عن وجود تفرقة أساسية للإدارة الترابية للمغرب قبل الحماية و ميزوها في:
بلاد المخزن:
عرف الباحثون المخزن بأنه يعني شيئين متكاملين: مؤسسة سياسية تمارس الحكم عبرها، و هو أيضا نظام اجتماعي و سياسي تميز به المغرب، و نجد على رأس المخزن السلطان، و على رأس الأقاليم خليفة السلطان، و على رأس المدن كل من البشوات و العمال الذي يساعدهم المحتسبون و على الصعيد القروي نجد القائد.
قبائل السيبا:
تميز المغرب داخل تضاريسه بين نوعين: قبائل الجبال التي لا تعترف بالسلطة الزمنية للسلطان وتعترف له بالسلطة الروحية، فترفض تأدية الضرائب و تمتنع عن تأدية الخدمة العسكرية و تسهر على تدبير شؤون القبيلة عن طريق الجماعة، و قبائل السهول و الهضاب التي تتسم بالخضوع التام للسلطان، كما أننا نجد القبائل الأمازيغية التي تشكل الحد الفاصل بين القبيلتين.()
ب- مرحلة الحماية التنظيم المجالي أو) مرحلة الجهوية الأمنية(:
كان نظام الحماية وراء التغييرات الجذرية التي عرفها التنظيم الترابي بالمغرب، فالسياسة الترابية للحماية "شكلت منعطفا في تاريخ المغرب، فقد حاولت في البداية إظهار الفوضى المميزة للتدبير المخزني للمجال الترابي، لتقارنها بعد ذلك مع قدرة الاستعمار على تأطير المجال وضمان الأمن، حيث نجحت بفضل آلتها التأطيرية سياسيا وإداريا واجتماعيا، لقد نجحت الحماية في تأطير التراب الوطني بمجموعة من النصوص القانونية، والتي أدت إلى تقسيمات جهوية تستهدف تحقيق التهدئة أكثر من السعي نحو مطلب التنمية والمشاركة السياسية، مما نتج عنه ازدواجية مجالية خطيرة، تمثلت في "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع"، فمباشرة بعد إعلان الحماية تم تقسيم البلاد إلى جهات مدنية، وأخرى عسكرية، بحيث خضعت الأولى للمراقب المدني، والثانية للحاكم العسكري الذي يتمتع بسلطات كلية.
وقد نتج عن هذا التقسيم ظهور أربع جهات مدنية وهي جهة الدار البيضاء –جهة الرباط –جهة وجدة –جهة الغرب؛ وثلاث جهات عسكرية هي جهة فاس، آسفي، مراقبة مازاكان (الجديدة) ومراقبة موكادور (الصويرة).
غير أن هذا التقطيع ما لبث أن عرف تعديلات متعددة ابتداء من سنة 1923، حيث أصبحت البلاد موزعة بين:
المناطق المدنية: وتضم ثلاث جهات وهي: وجدة، الدار البيضاء، الرباط، إضافة إلى ثلاثة أقاليم وهي آسفي، ميناء ليوطي ومازكان (الجديدة).
المناطق العسكرية: وتضم ثلاث جهات وهي: فاس، مكناس، مراكش، إضافة إلى أربعة أقاليم وهي: تازة، تافيلالت، تخوم درعة، ووسط الأطلس.( )
أما على الصعيد الإداري وبموازاة مع هذا التقطيع، فقد تم إحداث مؤسسات جهوية، ويتعلق الأمر ب:
ü المجالس الإدارية الجهوية.
ü و اللجن الاقتصادية الجهوية.
يظهر إذن أن التنظيم الجهوي الذي ساد خلال فترة الحماية قد أملته الاعتبارات الأمنية والعسكرية والمتمثلة خصوصا في تحقيق سياسة التهدئة عبر إخضاع المناطق التي عرفت مقاومات مسلحة، وتهييئ المناطق الغنية سواء من الناحية الفلاحية أو المنجمية، فالجهات استهدفت عدم تركيز عملية اتخاذ القرار العسكري والإداري، وليس تحقيق تنمية اقتصادية أو اجتماعية مما نتج عنه ازدواجية مجالية بين "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع"؛ كما أن الشبكة الإدارية التي واكبت هذه التقسيمات الجهوية، جاءت للتعبير عن ضرورة التحكم والمراقبة السياسية والإدارية، أكثر مما استهدفت تحقيق اللامركزية والمشاركة السياسية والإدارية على المستوى الجهوي.
أما مناطق الاحتلال الاسباني للشمال و الجنوب المغربي فقد شمل بدوره مناطق مدنية و اخرى عسكرية في كل من الناظور، تطوان، سبتة، مليلية، وفي الجنوب سيدي إفني، طرفاية، العيون، الداخلة، الجزر الجعفرية.
_2التنظيم المجالي ما بعد الاستقلال
أ_ فترة 1950-1960:
تم إبقاء التقسيم الإداري القديم و تعويضه بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ 16 دجنبر 1955، و المغير بظهير الشريف المؤرخ في 16 فبراير 1956، و قسمت البلاد إلى 13 إقليم: الرباط، تازة، مكناس، فاس، وجدة، تافيلالت، ورزازات، مراكش، أكادير، آسفي الجديدة، الشاوية، البيضاء. و3 عمالات: الرباط، البيضاء، مراكش. و في أكتوبر 1956 أصبح المغرب يتوفر على 19 إقليم، الرباط، مكناس، فاس، تازة، وجدة، تافيلالت، ورزازات، مراكش، أكادير، آسفي، الجديدة، الشاوية، بني ملال، طنجة، العرائش، الشاون. و يمكن تسجيل الملاحظتين التاليتين: أصبح العامل يملك مكانمة متميزة داخل المجتمع المغربي، والحضور القوي للإقليم كوحدة من وحدات التقيم الإداري.
ب_ فترة 1970_1976:
سنة 1970 حيث اقترح دانيال 12 جهة على أساس الجهة الفلاحية ( الريف، السهول الاطلنتية الشمالية الغربية، مقدمة الريف، والميسيطا المغربية، الأراضي المنخفضة الاطلنتية الغربية، الشاوية دكالة عبدة، السهول الداخلية شبه الاطلنتية تادلة السراغنة الحوز ،الهضاب الداخلية الاطلنتية، الجبال الرعوية، الهضاب الوسطى، جبال الأطلس، جبال الجنوب الغربي، الأطلس الكبير الغربي، والأطلس الصغير، سوس، الصحراء المغربية، النطاق المتوسطي الشمالي الشرقي أراضي ملوية و الهضاب العليا الشرقية. ([4]).
والتفاوتات الجهوية، عجز الإطار الإقليمي عن مواجهتها، وذلك نظرا لمحدوديته وقصوره عن تحقيق التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والقضاء على الاختلالات واللاتوازنات التي خلفتها السياسة الكلونيالية التي خدمت الأهداف الاستعمارية.
في سنة 1971 قررت السلطات العمومية تطبيق الجهوية كأداة للتنمية و اعتبار الجهة كقاعدة تراتبية لهذه التنمية([5]). وقد أدى هذا التصور إلى تقسيم التراب الوطني إلى 7 جهات اقتصادية ( الخريطة 2 ) وقد كانت الغاية من هذا التقسيم محو الفوارق و عدم التوازن الجهوي،وتخفيف الضغط الاقتصادي و الديموغرافي على محور الدار البيضاء، الرباط القنيطرة. ([6]).
لقد أبان هذا التقسيم عن قصوره من خلال النقاط التالية :
ü تباين مهول بين الجهات فالجهة الجنوبية لوحدها تمتد على 70% من التراب الوطني.
ü هيمنة الجهة الوسطى 50% من النشاط الصناعي للبلاد 25%من الساكنة
ü إدماج جهات غير متجانسة في جهة واحدة نموذج منطقة الحسيمة مع فاس .وفصل جهات متجانسة بشريا مراكش و ورزازات.
ü تقوية تمركز الرأسمال و الخدمات في الجهة الوسطى و الشمالية الغربية.بإضعاف باقي الجهات.
أمام هذه الاختلالات أصبح من المفروض إحداث خلخلة في التقسيم الجهوي الوطني مجاليا و قانونيا.
ج_ فترة 1976 _1990:
جاء هذا التقسيم لمعالجة اختلالات التقطيع السابق، لكن هذه المرة، جاءت الجهة قوية بحكم الفصل 100 من دستور 1996. والذي جعل من الجهة جماعة محلية تتميز بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، و القانون رقم 96.47 المتعلق بتنظيم الجهات و الذي حاول ضبط ميكانيزمات عمل الجهات، وعلاقتها مع السلطة المركزية وكذا حدود الصلاحيات و ضوابط الوصاية. وفي سنة 1980 أصبح التقسيم أدق. فالأقاليم متجانسة أكثر من حيث مساحتها، كما إنضافت الأقاليم الصحراوية الواسعة الشاسعة، ومن ثمة غدت البلاد مؤطرة تأطيرا أدق. وبدا التقسيم الإداري أقرب من الواقع المحلي. وفي سنة 1989 أصبح المغرب يضم 40 إقليما، و9 عمالات وولايتين، وأصبحت التقسيمات إذن دقيقة، وظهرت تراتبية في المراتب الإدارية.
ومع ذلك لا يمكن أن نؤسس دراسة جهوية للمغرب على هذا النوع من التوزيع الترابي، وذلك لأن هذا التقسيم يخضع لتقسيمات التي حددتها وزارة الداخلية بغرض التحكم والقيادة، ولكن الجديد هو إمكانية الحصول على معلومات إحصائيات على مستويات أصغر مما كانت عليه في الماضي، وذلك لأن التقسيمات أصبحت أكثر تدقيقا. وهو الأمر الذي له أهمية كبيرة عند كل باحث في العلوم الإقتصادية أو الإجتماعية.
تبنى التقسيم الجهوي والإقليمي 16 جهة و44 إقليما و 24 عمالة و10 ولايات، وفي سنة 1999 بات العدد 16 جهة و45 إقليما ، و26 عمالة و10 ولايات، وتضاعف عدد الجماعات ( 249 جماعة حضرية، و 1298 جماعة قروية سنة 1999 ). لقد أصبح التقسيم الإداري إذن دقيقا وتراتبيا، وأصبح الحدود بين المجموعات الجهوية واضحة أكثر بفضل وضوح محيط الجماعات.( )
3- معايير التقطيع الجهوي بالمغرب :
تتعدد معايير التقسيم وإحداث الجهات : طبيعية،بشرية،إدارية،جيوسياسية
لكن تعددها يجب ألا يقلص إمكانية تصور تقطيع موضوعي للمجال،يمكن تحديد المعايير في ثلاث محددات أساسية:
أ_ المعايير الطبيعية الجغرافية :
تبقى الطبيعة المحدد الأساسي، والأهم في تحديد الجهات، فغالبا ما يتم الجمع بين مناطق متصلة ذات امتداد تضاريسي واحد أو متشابه بحثا عن التجانس الطبيعي، كالوحدات الهضبية الشرقية (الجهة الشرقية)، أو الوحدات السهلية سهل الغرب ( الغرب الشراردة بني حسن)، أو الأحواض النهرية كحوض تانسيفت ( تانسيفت الحوز) لكن دون أن يعني هذا ضرورة تطابق الجهات مع الوحدات التضاريسية لوجود معايير أخرى تتدخل لتكتمل صورة التقطيع.
ب_ المعايير البشرية والثقافية:
غالبا ما يتم الأخذ بعين الاعتبار من لدن تقنيو التقطيع الوحدات البشرية والتشكيلات القبلية و الإثنية المنتشرة فوق المجال، بغية تجميع القبائل المتقاربة في جهات واحدة (القبائل الصحراوية بمعظم فروعها)، الجهات الصحراوية الثلاث، أو تجميع عدد من القبائل الأمازيغية في جهتي مكناس تافيلالت، وتادلة أزيلال. قصد تحقيق نوع من الإنسجام القبلي و الثقافي ( العادات ، التقاليد، اللهجات، نمط العيش...) أيضا يتم الجمع بين مناطق ذات ارتباط تاريخي (مكناس تافيلالت) لتوطيد وتنمية وتصحيح هذا الإرتباط و الرقي به من التبعية إلى التكامل و الاندماج.
ج_ المعايير الجيو_ استرتيجية :
تعتبر المعايير الجيواستراتيجية المعيار الحاسم في رسم حدود الجهات، فلدولة تصورها الأمني و الإداري وعلى ضوءه يتم التقسيم حيث يفرض هاجس الأمن، والمراقبة ذاته بقوة متجاوزا المساحة وعدد السكان. وهذا ما يبدو واضحا في التقطيع الترابي حيث يتم تفتيت التراب الوطني إلى عدد من مراكز السلطة الترابية بدءا بالقيادة، ووصولا إلى الجهة .
المعايير الجيواستراتيجية أيضا تبدو واضحة بخصوص تقطيع الجهات الحدودية بحكم انفتاحها على حدود دولية (الجهة الشرقية, طنجة تطوان)، وكذا الجهات التي تعرف مشاكل سياسية وحدودية( وادي الذهب لكويرة، العيون، بوجدور، الساقية الحمراء، كلميم، السمارة).
د_ معايير الانسجام والتكامل:
إن المعايير السابقة ترمي إلى تحقيق تكامل بين المناطق المدمجة في جهة واحدة تكامل من حيث الموارد ) معادن، غابات، مياه )، والأنشطة الاقتصادية ( زراعة، رعي، صناعة، تجارة، خدمات) حتى تتمكن الجهة من تحقيق هدف الاستقطاب الذي خلقت من أجله، وتؤدي كل وظائفها خاصة التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، كما يرمي التقسيم إلى البحث عن إمكانية إدماج المناطق الفقيرة والهشة تحت قطب جهوي للمساهمة في تنميتها (تافيلالت مع قطب مكناس)، (زاكورة مع قطب اكادير)...()
فرغم هذا الزخم من المعاير المعتمدة، فإن التقسيم الجهوي بالمغرب عرف مجموعة من الاختلالات التي يمكن تلخيصها في الجمل التالية:
- تضخم في عدد الجهات (16) والجمع بين مناطق غير منسجمة،(زاكورة، اكادير) والتفريق بين مناطق منسجمة (الناظور، الحسيمة)
- تكوين الجهات على أسس إقليمية وهي أسس تراعي الاعتبارات الإدارية والسياسية آثر من الاعتبارات التنموية والاقتصادية، فبدلا من أن يأخذ التقطيع الجهوي بعين الاعتبار تصاميم التنمية والتهيئة الجهوية، أخذ الإقليم أساس وركيزة وحيدة لإحداث الجهة، خصوصا وأن الإقليم هو الآخر أحدث على أسس إدارية، وسياسية عوض أن يكون مؤسسا على معطيات ومؤشرات اقتصادية.
- تحكم سلطة الوصاية في مؤسسة الجهة المادة41 ( النفقات العمومية، صفقات البيع و الشراء...)
- تداخل الاختصاصات بين الجهات و عدد من المؤسسات العمومية كالوزارات و وكالات التنمية ...
- عدم توفر الجهات على نخب ذات كفاءة قادرة على تدبير أمور الجهة مما يعطل أهم وظائفها.
- ضيق وانحسار الاستقلال المالي للجهة بعدم تأسيس صندوق الموازنة والتنمية الجهوية .
- غياب النصوص القانونية التكميلية والمراسيم التنفيذية المرافقة لنقل اختصاصات من المركز إلى الجهات .
- التحكم في الشؤون الداخلية للجهات بربط تنفيذ القرارات بمصادقة سلطة الوصاية.
- التأخر في الانتقال من مراقبة سلطة الوصاية إلى المراقبة القضائية
- محدودية مداخيل الجهة التي يؤطرها القانون 30.89 المحدث لعدد من الضرائب الخاصة بالجهات.
- توجيه نسبة مهمة المداخيل (القليلة أصلا) إلى التسيير و الأجور و بالتالي ضعف المساهمة في الاستثمار .
- تكريس الطابع الإقتراحي لمؤسسة الجهة مادامت تنجز دراسات المشاريع وتنفيذها يتم من طرف أطراف أخرى كوكالات التنمية أو الوزارات .
- أن التحضير لقانون الجهة طغى عليه الجانب التكنوقراطي، مما جعله ينص على الانتخاب وفق نمط الاقتراع غير المباشر عبر اللوائح،
أمام هذه الإختلالات وعدد من النقائص الأخرى أصبح من الضروري إعادة النظر في التقطيع الجهوي، بل هناك من يطالب بإعادة النظر في الجهوية ككل و تعميق النقاش حولها خاصة مع بروز فكرة الجهوية المتقدمة ( مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية) ومن الاقتراحات نجد التقسيم المقترح من طرف J.F.TROIN ([9])
4_ الارتقاء بالجهة إلى مستوى المؤسسة الدستورية:
أ - محطة 1984 في مسلسل جهوي :
أدت هيمنة الجهتين الوسطى، والشمالية الغربية وفق تقسيم 1971 إلى جلب اهتمام مختلف الفاعلين الاقتصاديين، مما أدى إلى التأثير على السياسة التنموية العمومية للتجهيزت وعلى موجات الهجرة، وأيضا على مستوى عيش السكان بالإضافة إلى التمركز المكثف الذي أبان عنه إحصاء 1994، حيث أوضح أن 48 في المائة من مجموع سكان المغرب تحتضنها الجهتين المدكورتين أعلاه، وفي ظل كل هذه المشاكل جاء خطاب ملك المغرب بفاس 10 أكتوبر 1984 أمام المجلس الاستشاري للجهة الوسطى الشمالية أثرا بتنفيد بعض السياسات الاقتصادية و الاجتماعية.
ب- الجهة جماعة محلية وفق الدستور 1992 :
ينص لفصل 94 في الدستور أن الجهوية أصبحت جماعة محلية، ووحدة ترابية و أصبحت تتمتع بالاستقلال التام، والاداري كما باقي الجماعات الأخرى، و قد أيد هذا النهج الدستور 1996 الذي دعم بدوره الركائز الدستورية للجهة.()
5_ الترتيب الإداري بالمغرب:
أ_ الولاية:
يعرف التنظيم الإداري المغربي المحلي ابتداء من سنة 1981 نمطا محددا من الوحدات الإدارية أطلق عليه "الولاية". وهي وحدة غير متمتعة بالشخصية المعنوية، تدخل في إطار عدم التركيز ويبلغ عددها 17 ولاية حسب المرسوم رقم 2.03.527 الصادر في 10 شتنبر 2003 .
والجدير بالذكر، أن الولاية بنية إدارية ليس لها اختصاصات محددة بناء على نصوص قانونية عامة، بل مجرد إطار ترابي يترأسه عامل يطلق عليه اسم والي يقوم بتنسيق مختلف أعمال عمال العمالات المكونة للولاية.
إن مهمة الوالي تنحصر فيما يمكن استخلاصه من :
- الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 بتاريخ 15 فبراير 1977 يتعلق اختصاصات العامل كما وقع تغييره وتتميمه ببعض الاختصاصات المسندة إليه بمقتضى نصوص أخرى كالقانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات الصادر بتنفيده الظهير الشريف رقم 1.97.84 بتاريخ 2 أبريل 1997 والرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002 والمتعلقة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار.
ب_ العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات:
ب _ أ_العمالات والأقاليم:
حضي تقسيم العمالات والأقاليم باهتمام خاص من طرف السلطات العمومية المغربية، حيث كانت الغاية من وراء إحداثها تأطير السكان ومراقبة المجال الوطني مع خلق محاور إدارية وإقتصادية لضمان أسس التنمية الشاملة. وهذه الوحدات لا تختلف من حيث التنظيم والاختصاص ،غير أن الفرق بينهما يكمن في كون العمالات تتشكل دائما في المدن الحضرية الكبرى.
ومن جهة أخرى فإن الفصل 100 من الدستور المغربي 1996 جعل من " العمالات والأقاليم" جماعة محلية، وتم تنظيم هذه الجماعة بمقتضى القانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات والأقاليم الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.269 بتاريخ 3 أكتوبر 2002.
والجدير بالذكر ،أن عدد العمالات يبلغ 20 عمالة بينما عدد الأقاليم يبلغ 49 إقليما وذاك بناءا على المرسوم رقم 2.03.529 بتاريخ 10 سبتمبر 2003 المشار إليه.
ب_ ب_ عمالات المقاطعات:
أحدث المشروع 8 عمالة المقاطعة بولاية الدار البيضاء الكبرى، والتي حدد مجال نفوذها المرسوم رقم 2.03.529 بتاريخ 10 سبتمبر 2003 بتحديد النفوذ الترابي لعمالات المقاطعات والمقاطعات التابعة لها.
واعتبارا لكون العامل هو المسؤول الأول عن المستوى الإقليمي حسب مقتضيات الفصل 102 من الدستور المغربي، الذي جعل منه " ممثل الدولة " والظهير الشريف المتعلق باختصاصات العمال فإن تدخلاته تكتسي طابعا عاما وتهم المجالات التالية :
· مجال عدم التركيز الإداري واللامركزية ؛
· المجال الاقتصادي والاجتماعي ؛
· المجال المالي...إلخ.
ج_ الدائرة:
عرف التقسيم الإداري المغربي نوعين من الدوائر، دوائر قروية ودوائر حضرية، وهي وحدات إدارية مرتبطة بالإدارة المركزية.
ولقد حددت قائمة الدوائر بمرسوم رقم 2.98.953 بتاريخ 31 ديسمبر 1998 بتحديد قائمة الدوائر، والقيادات، والجماعات الحضرية والقروية بالمملكة. وعدد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جماعة.
ويتولى رئيس الدائرة، تحت سلطة العامل، تدبير وإدارة الدائرة حيث يستمد هذه الاختصاصات من عدة مصادر قانونية، منها بشكل خاص الظهير الشريف رقم 1.63.038 بتاريخ فاتح مارس 1963 بشأن النظام الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية .
د_ القيادة:
القيادة تقسيم إداري مرتبط بالمجال القروي يسمح بالتوفر على موقع متقدم للدولة داخل البيئة القروية وهي مقاطعة تقع بين الدائرة والجماعة القروية.
ويتولى القائد، تحت سلطة ومراقبة العامل ورئيس الدائرة، القيام بالعديد من الوظائف حددها ظهير 20 مارس 1956، حيث يعتبر ممثل للسلطة التنفيذية داخل دائرة نفوذه وهذه التمثيلية تجعل منه مسؤولا عن النظام العام والأمن والمحافظة عليهما، غير أنه ومع تطور ممارسة اللامركزية بالمغرب ، وتوسيع صلاحيات رئيس المجلس الجماعي أصبح دوره يقتصر على تسيير الشؤون التي تعتبر حكرا على الدولة كمنح جواز السفر وكذا تسليم بعض الرخص... إلخ.
هـ الدوار:
مكان يتجمع فيه مجموعة من الناس ويستقرون فيه، ويكوّنون فيه مجتمعا خاصا بهم، وعادة ما يكون عدد سكانه يتراوح ما بين المئة والعشرة آلاف . سكان الدوار قد يكونون من قبيلة أو عشيرة أو عائلة واحدة، وقد يكونون من عدة عائلات مختلفة.
وعلى الرغم من أن الدوار يقام في الغالب في مناطق ريفية زراعية، إلا أنه أحيانا يكون في مناطق حضرية ذات جوار ريفي. كثيرا ما يضم الدوار الواحد بضع عائلات فقط، كما تتميز بيوته عادة بالبساطة واعتماد أهلها على المواد البسيطة في البناء، كالطين والخشب، ودائما ما يسكن البيت عائلة واحدة، أو تسكن العائلة الواحدة عدة بيوت متقاربة.
تاريخيا شكل الدوار مجتمعا زراعيا صغيرا، وأحيانا يمثل الحرفيون فيه جزءا واضحا.
على الرغم من تنوع أشكال الدواوير، إلا أن معظمها يشترك في صفات محددة منها: صغر الحجم، وقلة عدد السكان، بالإضافة إلى الترابط الاجتماعي الكبير الذي يسود بين أفراد الدوار الواحد، خصوصا إذا ما قورنت بالمدينة والمجتمع المدني، كما أن البيوت في الدوار تشيد على مقربة من بعضها البعض، ولعل السبب في ذلك هو حب التقارب والمؤانسة بين أفراد الدواوير الواحدة، أما الأراضي المحيطة بهذا التجمع من المنازل فإنها تستغل للزراعة.()
6_ الإصلاحات الضرورية لتحقيق جهوية حقيقية:
ü مراجعة الدستور الحالي للتنصيص على دور الجهات واختصاصاتها وتحديد العلاقة بين الدولة والجهات وشروط تنميتها وتوسيع صلاحيتها في إطار الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية.
ü مراجعة قانون الأحزاب لمحاربة ظاهرة الترحال السياسي وتعزيز الديمقراطية الداخلية فيه.
ü تعديل القانون المنظم للجهات لتحديد الاختصاصات الموكولة لها وطرق تدبيرها خاصة ظهير 2 أبريل1997.
ü إشراك ممثلين عن الجمعيات والكفاءات الجهوية في تشكيلة المجالس الجهوية كملاحظين تعطي للمشاركة الشعبية دفعة قوية للمساهمة في تدبير الشأن المحلي.
ü إعادة النظر في تشكيلة غرفة المستشارين المكونة أساسا من المنتخبين الجماعيين وممثلي الغرفة المهنية والمأجورين قصد مراجعة اختصاصاتها الدستورية وعلاقتها بالتمثيلية الجهوية.
ü مراجعة التقطيع الجهوي الحالي في اتجاه تقليص عدد الجهات من 16 إلى 8 أو 10 جهات على أساس معايير موضوعية تعطي الأولوية للبعد التنموي عوض البعد الأمني أو على أساس معايير قبلية أو لغوية لضمان تماسك الجهات ووحدة الدولة.
ü إحداث صندوق للتضامن بين الجهات، لمواجهة الكوارث الطبيعية (الفيضانات، حريق الغابات، مظاهر الجفاف والتصحر...). والتي تتطلب تدخلا سريعا، وتنسيقا محكما بين مختلف الجهات المعنية.
ü إشراك الجمعيات الجادة في وضع المخططات الجهوية للتنمية كما هو الشأن بالنسبة للمخططات المحلية طبقا للميثاق الجماعي الحالي (المادة 36).
ü وضع برنامج للتكوين، والتكوين المستمر لفائدة المنتخبين المحليين على صعيد الجهة. يعزز قدرات النخب السياسية المحلية خاصة في مجال التدبير والتواصل ووضع المشاريع وطرق تمويلها ومراقبة إنجازها، أي كل ما يتعلق بالحكامة المحلية، وبتنسيق مع مديرية الجماعات المحلية والجامعات ومراكز البحث والدراسات باعتبار التكوين والتواصل من أهم مكونات الحكامة المحلية
خاتمة:
من الصعب الإحاطة بموضوع الجهة وملامسة كل جوانبه.لكن انطلاقا مما جاء في التناول يمكن الوقوف على عدد من الإستفهامات:
هل المغرب يحتاج فعلا إلى 16جهة مع ما يتطلبه ذلك من إمكانيات مالية، بشرية وإدارية طائلة يتحملها في آخر المطاف المواطن؟ و ما هي المعايير المستلزمة لتقسيم عادل ؟ من طبيعة الحال من الصعوبة بمكان تقرير ورسم خريطة جهوية عادلة و متكافئة بصفة مطلقة، و إنما المطلوب هو إيجاد وحدات مجالية متجانسة تضمن التنوع الثقافي و السوسيولوجي و تتوفر على موارد متقاربة ومتوازنة تتيح تنمية المنطقة على جميع الأصعدة. وأخيرا لماذا لا يتم إسناد مسألة التقسيم الجهوي و الترابي بصفة عامة إلى المشرع بدل احتكار ذلك من طرف وزارة الداخلية، حيث يطغى البعد الأمني على باقي الأبعاد الأخرى؟
لماذا الوحدات الجهوية أصبحت مجرد تعقيدات إدارية تفضي إلى فرض مجموعة من الأتعاب المالية على كاهل المواطن دون أن تمكنه من المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار و في تسيير شؤونه المحلي؟ فالجهوية لا تعني فقط توزيعا للاختصاصات و إنما نظاما للمشاركة، كما أنها ليست هدفا في حد ذاتها و إنما وسيلة لتطبيق الديمقراطية المحلية، وتنمية المناطق المجالية، وذلك من أجل خلق جهات متجانسة وغير متباينة من حيث الخصائص الإقتصادية والإجتماعية وغيرها.
Commentaires