المقالات والمحتويات

قصص قصيرة

المخططات والبرامج الواحية بالمغرب: دراسة نقدية



تقديم:
يمكن قياس مدى خصوصية وتميز المجال المغربي بمقارنته مع محيطه الجهوي المغاربي. فالمجال المغاربي السائد هو مجال مزدوج، يتعارض فيه الساحل المنفتح على البحر الرطب نسبيا مع العمق القاري القاحل، هذا الوضع هو الذي أفرز مناطق ذات تركز مهم في الساحل، مقابل مناطق داخلية مهمشة. كل هذا أستدعى إعادة التوازن بين هذه المناطق، ومن حسن حظ المغرب أن حالته لا تطابق هذا الوضع، حيث أن التراب الوطني يتشكل من أربع مجالات نطاقية:
1-    النطاق الأطلسي: من طنجة إلى الكويرة.
2-    النطاق المتوسطي: من طنجة إلى السعيدية.
3-    النطاق الأوسط: يجمع الدير بالجبال على امتداد محور فاس مراكش في اتجاه ممر تازة.
4-    النطاق القاحل: يبتدئ من سهوب الحلفاء إلى الصحراء بعد اختراق تافيلالت ودرعة.
يظم المجال الرابع موضوع اهتمامنا المجالات الواحية جنوب شرق الأطلس الكبير، ومباشرة جنوب هذا الحاجز الطبيعي، يبدأ المجال القاحل المرتبط بالصحراء والذي عرف تطور حضارة واحية مزدهرة شكلت مكونا أساسيا لثقافة وتاريخ المغرب.
كما يتشكل هذا المجال من ثلاث عناصر: سهوب وجبال المغرب الشرقي وواحات تافيلالت، إلا أن هذه المجالات تتميز بالتباين فيما يخص البنيات الإقتصادية والإجتماعية، كما تشترك فيما يتمثل في ندرة الماء وتدهور الأوساط الطبيعية بفعل تعدد العوامل الطبيعة والإجتماعية أساسا.
ومع تزايد التدهور على هذه المجالات، زد على ذلك  كثرة الباحثين في هذا المجال، كان ولا بد من وضع مجموعة من التدخلات السريعة من طرف المهتمين بالشأن الواحي، من أجل انقاد ما يمكن إنقاده من ما تبقى من هذه الواحات، ومن هنا لجأت الدولة إلى وضع مجموعة من البرامج والمخططات من أجل الإرتقاء بها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، من أجل الحد من التدهور والحد الهجرة الداخلية التي أصبحت تستفحل بهذه الواحات باتجاه مدن عديدة من المملكة من قبيل الدار البيضاء مراكش فاس ومكناس.
                               I.            البرامج والمخططات الوحاتية بالمغرب
1-  برنامج واحات تافيلالت: والذي يهدف إلى محاربة التصحر والفقر والمحافظة واحات تافيلالت وتثمينها. ويمتد المجال الترابي للبرنامج ليغطي 29 جماعة من واحات تافيلالت بكلفة مالية تقدر ب 8.010.000 دولار أمريكي على مدى خمس سنوات ( 2006_ 2011).
2-   برنامج التنمية الترابية المستدامة للأقاليم الجنوبيةيتمحور هذا المشروع حول المحافظة وتنمية الواحات بأسا الزاك، وكلميم، وطاطا. ويتوخى البرنامج أيضا تفعيل سلسلة من الإجراءات ذات الأولوية في مجال تثمين المؤهلات الثقافية والطبيعية لمختلف الواحات. وتقدر كلفة المشروع بقيمة 18.110.000 دولار أمريكي تغطي الفترة ما بين 2007 و2011.
3-    مشروع التنمية المندمجة لأقاليم الشرق:  يتوخى هذا المشروع المنجز بتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي ومن خلال تضافر جهود الفاعلين المعنيين، تثمين وضمان استمرارية تراث واحات فكيك. وتبلغ كلفته 960.217 دولار أمريكي على الفترة الممتدة ما بين 2008 و2011.
4-    مشروع التنمية القروية للجماعات:  ويهدف هذا المشروع الذي تبلغ كلفته 3.831.627,35 دولار أمريكي خلال الفترة ما بين 2008 و2011، إلى مكافحة الفقر من خلال المساهمة في الرفع من مستوى عيش ساكنة إقليم الرشيدية.
5-  برنامج تحدي الألفية:  ويهدف هذا البرنامج إلى تحسين إنتاج الأشجار المثمرة، ومصايد الأسماك. وتبلغ قيمة تمويل مجموع المشاريع بكلفة مالية تقدر بحوالي 696.000.000 مليون دولار أمريكي، تغطي الفترة ما بين 2008 و2013.
6-    تدبير المناطق المحمية:  ويستفيد هذا البرنامج من تمويل بقيمة 13.750.000 دولار أمريكي. ويتوخى الحفاظ المستديم على المناطق المحمية بالتعاون مع الساكنة المحلية، وذلك في إطار مقاربة تشاركية.
7-    المشروع الوطني لإنقاد وإعداد الواحات: والذي يسعى إلى دراسة تتعلق بتهيئة وتنمية الواحات بالمغرب، تهدف هذه الدراسة إلى تشخيص واقع حال الواحات، ووضع إستراتيجية لتنميتها وتهيئتها وذلك عبر وضع برنامج عمل على المدى القصير والمتوسط بغية تأهيل وإعادة الاعتبار لهذه المجالات الحساسة.
وتشمل هذه الدراسة ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى : تضمنت تحليل وتصنيف الواحات بهدف إبراز وتقييم واقع الحال عبر تحليل المؤهلات والآفاق بالنسبة لكل صنف من الواحات.
المرحلة الثانية: تم التركيز على 230 من الفاعلين موزعين على مختلف القطاعات والإهتمامات المتعلقة بموضوع الدراسة، كما تم جرد أهم المنجزات والمشاريع بغية تقيم مقارباتها، وقياس نتائجها، وقد تمحورت اللقاءات حول 6 مواضيع ذات الأهمية من قبيل: الماء، الفلاحة، السياحة، المدن، الهجرة والبيئة والتنمية المستدامة.
المرحلة الثالثة: وتهم وضع إستراتيجية للتنمية وبرامج عمل، تهم الإشكاليات والقضايا التي أبرزتها المراحل السابقة.      
وتتوخى هذه المشاريع التي تختلف طبيعتها، تحقيق التكيف مع التغير المناخي إما بشكل مباشر أو غير مباشر. ذلك أن المغرب انخرط بحزم على هذا الدرب من أجل الحفاظ على موروثه الواحاتي وكذا ضمان بقاء الساكنة في هذه المناطق وعدم اضطرارها للهجرة.([1])
                            II.            الواحات: تشخيص واقع الحال:
تنتمي الواحات المغربية للنطاق الجاف الذي يمثل أحد النطاقات الأربع الأساسية المشكلة للتراب الوطني، حيث يقع ثلاث أرباعها ضمن خطوط تساوي المطر 50 و 100 ملم بينما يقع الربع المتبقي ما بين 100 و 200 ملم. وتصل مساحة المجال الواحي إلى 107.324 كلم2  تقطنه ساكنة تصل 1.6 مليون نسمة أي ما يمثل 5.3 في المائة من ساكنة المغرب ( حسب إحصائيات 2004).
وإذا كانت أغلب الواحات توجد حاليا في وضعية حرجة، فإن التحولات المناخية لا تفسر لوحدها هذه الوضعية التي هي نتاج لتدخل عدة عوامل بشرية منها.
1-    التدبير غير اللائق للموارد المائية: حيث تتعدد عمليات ضخ المياه حول الواحات، كما أن الفرشات الباطنية تتوفر على مخزون لا ينضب، وقد تسبب هذا العامل في تدهور عدة واحات في هذه المجالات.
2-    تفكيك المجتمعات التقليدية: حيث كانت المجتمعات بهذه المناطق تجتمع تحت مفهوم التعاون والتآزر فيما بينهما في بناء واحات تخدم مصالحهم الشخصية، إلا أن أزمة الماء خلقت مجموعة من التوترات الإجتماعية وبالتالي تفكك الأنظمة المجتمعاتية التقليدية. وبدأت تظهر بها بوادر الهجرة .
3-    تعقد الوضع العقاري: تعتبر الأرض والماء العنصران الأساسين في المجال الواحي، ومع تزايد النمو الديموغرافي، نتج عنه تقسيم هام للأراضي حيث أصبحت المشارات تقل عن 0.15 هكتار، وهذا التقسيم المتزايد للأراضي أصبح عائقا للإستغلال الفلاحي ، حيث أصبحت المشارات المستغلة ذات مردودية اقتصادية ضعيفة كما لا تسمح بالإستثمار.([2])
إن الواحات في خطر متزايد، وإذا ما استمرت الوضعية على ما هي عليه، فإنها ستؤول لا محال إلى الزوال والإندثار، لذا يعتبر إنقاد وتنمية الواحات مسألة استعجالية، يجب أن تحضى بالأولوية، وإلى هذا الحد سوف نقوم بإبراز بعض التدخلات التي قامت بها الدولة في المجالات الواحية ، مع وضع قراءات نقدية للأهم ما جاءت بها المشاريع والبرامج التنموية الواحاتية.
1-    المشروع الوطني للإنقاد وإعداد الواحات:
إن المشروع الوطني لإنقاذ الواحات أصدرته مديرية إعداد التراب الوطني سنة 2006، وقامت هذه المصلحة بإنجاز دراسة تتعلق بتهيئة وتنمية الواحات بالمغرب، وتهدف إلى تشخيص واقع حال هذه الأخيرة، ووضع استراتيجية وطنية لتهيئتها وتنميتها. ويتضمن هذا التقرير 34 صفحة، الصفحتين الأوليتين تهم الغلاف والفهرسة، كما أنه يتكون من مقدمة عامة تم التطرق فيها إلى السياق العام للدراسة والمراحل التي مرت منها بالإضافة إلى خمسة محاور كبرى التي بدورها تتفرع إلى أجزاء صغرى، بالإضافة إلى كونه يتوفر على مجموعة من الوسائل البيانية كالصور بحيث نجد 12 صورة وتسع خرائط وكذا خطاطة واحدة وجدول واحد.
المحور الأول والثاني المعنونين على التوالي ب: الواحات مكون مجالي وبيئي أساسي للمنظومة الترابية الوطنية والآخر تحت عنوان الواحات حلقة وصل كونية ذات أهمية عالمية؛ من هنا فقد أفضت تحولات المشهد الاقتصادي إضافة إلى التفكك على مستوى البنية الاجتماعية التقليدية إلى تدهور المنظومة الطبيعية للمجال الواحي الذي يشكل أهمية حيوية وأولوية إستراتيجية محليا وطنيا ودوليا. ومن المفترض اتخاذ جملة من التدابير المتعلقة بحماية والموارد الطبيعية لهذا المجال وكذا الأنشطة لتأهيل القطاع الاقتصادي منذ عشرين سنة مضت؛ ويعد المورد الطبيعي الأساسي المتمثل في الماء أهمية مركزية في إعادة تأهيل المجال الواحي. يوجد ضمن انشغالات التصميم الوطني لإعداد التراب، بالنظر لكونه يمثل إحدى الإشكاليات والرهانات الإستراتيجية ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي والإيكولوجي ويظهر ذلك جليا في المجال الواحي.
في ما يتعلق بالمحور الثالث الذي اهتم بتشخيص واقع حال الواحات، باعتبار هذه الأخيرة تنتمي بالمغرب إلى النطاق الجاف الذي يمثل أحد النطاقات الأربع الأساسية المشكلة للتراب الوطني.
          بعدما تم تشخيص واقع الحال للوحات المغربية اتضح بشكل كبير أنها تعاني من جملة من الإكراهات الطبيعية والبشرية والتي من خلالها تم وضع استراتيجية وطنية لتنمية وإعداد هذه المجالات الترابية الحساسة بالمغرب وهذا ما تم التطرق له بالمحور الخامس من هذا المشروع، ومن هنا تتلخص أهم اختيارات المشروع الوطني لإعادة تأهيل وانقاذ الواحات في رؤية شمولية:
ü     تحويل تدريجي للفلاحة الواحية وذلك بوضع فلاحة مشهدية وتنمية الفلاحة البيولوجية.
ü     إتاحة الظروف الملائمة لإنعاش السياحة الواحية.
ü  العمل على تدبير ندرة المياه واعتماد مقاربة جديدة لإصلاح ظاهرة التبدير المائي، قوامها تزويد الماء حسب الطلب ووفق مخصصات كل حوض على حدة.
ü  خفض الضغط الديمغرافي على مستوى الواحات، عن طريق تقوية المراكز الجديدة بالتجهيزات الهيكلية العامة وكذا المصالح ذات المنفعة.
ü     المحافظة على الأنظمة البيئية والتنوع البيولوجي وذلك بتشجيع التعاون الدولي.
ü     إنعاش وإعادة تأهيل التراث المعماري المحلي بترميم المعالم الأثرية القديمة (القصور- القصبات)
ü     انسجام وتنسيق تدخلات المؤسسات المهتمة بالواحات.
ü  إحداث مجلس أعلى لتنمية الواحات، توكل إليه مهمة ضبط الاختيارات، واتخاذ القرارات الكبرى المصيرية والتحكيم بين مختلف الأطراف المتدخلة وكذا مراقبة البرامج والمشاريع المنفذة.
ü     دعم التنسيق الأفقي للبرامج التنموية في الأحواض المائية اعتمادا على المعيار الكمي للماء.
ü     دعم قدرات التدبير التنموي على المستوى المجالي والمحلي.
ü  إنجاز مخططات سوسيواقتصادية موازاة مع إعداد المجال اعتمادا على آليات ومناهج جديدة (عقدة البرنامج).([3])
لكن كيف لهذا المشروع أن يتحقق في غياب تام للآراء الساكنة المحلية، ونحن نعلم أن الواحات موروث تاريخي انطلق من الساكنة وينتهي منها، فالدولة جاءت نعم بهذا المشروع من أجل التدخل السريع في المجال الواحي لكن دون أخد آراء الساكنة ومدى تطلعاتهم المستقبلية في المجال الفلاحي، وهذا لن يؤول إلا بالفشل.
فالمخطط جاء لتدبير المياه التي تعد المحرك الرئيسي للواحات، عن طريق إدخال تقنيات جديدة للري، في حين أنها نست أو تناست الثقافة المائية التي تقوم عليها الواحات والتي تسمى النوبة. فهل تستطيع الساكنة التكيف مع هذه التدابر الجديدة، أم أنها ترفض رفضا قطعيا هذه التدخلات؟.
أعتقد أن الإنسان الواحي التقليدي الذي يستعمل السقي بالغمر المباشر للمشارات لن يتقبل تقنيات الري الحديثة مهما كان الثمن، للأنها تحتاج مصاريف ضخمة ونحن نعلم المستوى المعيشي للساكنة الواحية ضعيف جدا. بالإضافة إلى استغلالها مشارات مجهرية تقوم على الزراعات المعيشية لا غير.
وانطلاقا مما سبق فإن تقنيات الري الحديثة لم يستفيد منها الفلاح الصغير، وإنما استفاد منها كبار المستثمرين في هذه المجالات، بإستعمال ضخ مياه الفرشات الباطنية، مما زاد من تدهور هذه الفرشات وظهور ما يعرف بالسبخة.
كما جاء أيضا المشروع بإنعاش المجال السياحي داخل الواحات، وذلك من خلال ترميم القصور والقصبات التي أصبحت اليوم شبه مهجورة بفعل الهجرة. ومن هنا يظهر أن المخطط جاء متأخرا جدا في هذا المجال، فالقصور والقصبات أصبحت خالية بالإضافة إلى تخريبها بفعل العوامل الطبيعة كالرياح التي أرملت بعض القصور ومسحتها على أرض الواقع، والأمطار القوية التي تأتي من حين للآخر وتزيل بعض الجدران والمنازل التي أصبحت هشة وغير قادرة على الإستمرار.
2-    برنامج واحات تافيلالت:
يتعهد برنامج واحات تافيلالت بمهمة رئيسية تتمثل في تطوير مخطط تنمية مجالية مستدامة في تافيلالت وذلك بالاعتماد على المخططات الجماعيـــــة  و البين جماعية للتنمية. و تعتبر مكافحة التصحر و الفقر عبر إنقاذ و تثمين الواحات الهدف العام لهذا البرنامج.
و تبين الوثيقة الأولية للبرنامج أن هذا الهدف يتفرع إلى ثلاث أهداف محددة :
-         المحافظة على نظام استغلال بيئي و قادر على الحياة  عبر إعادة إنعاش النظام البيئي للواحات.
-         تشجيع مقاربة مجالية تعزز قيمة الواحات.
-         دعم الإصلاحات القانونية التي تساهم في المحافظة على الواحات.
         و قد تم إعداد ملحق إضافي للبرنامج في نوفمبر2008. يركز هذا الملحق على التعديلات الأساسية التي تمت إضافتها للبرنامج على ضوء التجربة المتعلقة بالمرحلة التوجيهية للبرنامج آخذا بعين الاعتبار المعطيات الجديدة التي تؤطر الظرفية الحالية.
يتوقع هذا الملحق، بالإضافة إلى وضع و تعزيز وسائل تدبير و تنسيق المشروع، تحقيق خمس منتوجات و هي:

المنتوج 1: تطوير رؤية تنموية مجالية مستدامة لواحات تافيلالت تعتمد على دراسات معمقة للوسط.
سيتم تطوير رؤية تنموية مجالية مستدامة لواحات تافيلالت،  والتصديق عليها عن طريق دراسات معمقة للوسط مما سيسمح بضبط المعارف المتعلقة بمكونات النظام البيئي للواحات و أخطار تدهورها  (الأوصاف و أساليب الاستغلال). ومبدئيا، ستتم مقاربة العوامل التي تؤثر على عملية التصحر وتضر بالنظام البيئي للواحات، حيث سيتم تحليل مدى ضعف نظام الواحات أمام التغيرات المناخية و تطوير سيناريوهات و استراتيجيات تكييفية من جهة، و دراسة عملية زحف الرمال و إستراتيجية مكافحتها من جهة أخرى. سيتم إدراج التعاليم الأساسية التي ستخرج بها هذه الدراسات في عملية إعداد برامج إعادة تأهيل فضاء واحات تافيلالت وعلى الخصوص في المخطط التوجيهي للماء الذي يوجد في طور الانجاز.
وتظل  إمكانية القيام بدراسات استشرافية واردة عند الحاجة، .

المنتوج 2 :توفر واحات تافيلالت على مشروع تنمية للمجال الترابي يعتمد على مخططات جماعية للتنمية تضم أولويات المحافظة على الواحات و تثمينها و سيناريوهات للتغيرات المناخية.
         سيستفيد الفاعلون المحليون من التكوين و الدعم المنهجي المطلوب لإتقان المقاربة التشاركية لبناء المخططات الجماعية للتنمية تماما كما جاء وصفها في الطقم المعد من طرف المديرية العامة للجماعات المحلية لهذا الغرض. و ستهم هذه العملية مجموع الجماعات المستهدفة (29 جماعة). و ستنشأ هذه المخططات بالاعتماد على الدراسات المرجعية. بعد ذلك، سيتم وضع مخطط تكويني لتسهيل عملية دمج المكتسبات المحصلة من هذه الدراسات في عملية إعداد المخططات الجماعية للتنمية. و ستغني هذه الدراسات أيضا النظام المعلوماتي الجماعي الذي سيتم إنشاؤه تدريجيا بهدف التحكم الجيد في تنفيذ و مراجعة المخططات الجماعية للتنمية. في النهاية، سيتم توليف الدراسات و المقاربات و العمليات المنجزة من أجل صياغة مقاربة مجالية ملائمة لبيئة واحات تافيلالت.
المنتوج3 :تقلص مسلسل تدهور الواحات في الجماعات المستهدفة ، وتثمين الموارد الطبيعية والتراثية و ذلك للحد من الفقر في أوساط الساكنة المعوزة و محاربة الإقصاء الاجتماعي و تحسين ظروف عيش الساكنة.
و ستتمحور عمليتا مكافحة التصحر و الفقر على إعادة تأهيل الأوساط الهشة جراء التصحر من جهة، وتشجيع إقتصادات ذات جودة من جهة أخرى. إذ ستتركز الجهود على المورد المائي و ذلك بترشيد استعماله وعلى مورد التربة و ذلك بتحسين بنيتها عن طريق التسميد و كذا تثمين المنتجات المحلية، وذلك بخلق قطاعات واعدة (التمور، زيت الزيتون و السياحة البيئية). كما ستتخذ تدابير محددة فيما يتعلق بتعزيز القدرات و تشجيع الطاقات المتجددة. جميع هذه الإجراءات ستدمج أو ستنبثق من المخططات الجماعية للتنمية.
المنتوج4 :  تعزيز الإطار المؤسساتي و القانوني بما يضمن المحافظة على النظام البيئي للواحات و تثمينها المستدام.
سيدعم المشروع التوجهات الحكومية المغربية في ما يتعلق بالتنمية المجالية و ذلك من أجل الأخذ الفعلي بعين الاعتبار لخصوصية الواحات في الإطار المؤسساتي و المالي و القانوني للدولة، و كذا علاقتها بالجماعات المحلية في إطار منهجية تعاقدية، وذلك بالدخول في نقاش و تجنيد الخبرات لهذا الغرض، وذلك قصد تطوير اقتراحات عملية و قابلة للتطبيق السريع من أجل الاستجابة للحاجات المحلية للتنمية و المحافظة على النظم الواحية.
المنتوج 5: وضع إستراتيجية للتواصل و نظام معلومات و تدبير المعارف و التتبع و التقييم.
         يظل تحقيق النتائج رهينا بتوفير الوسائل التقنية و البيداغوجية، وتعبئة الموارد البشرية والمالية عبر استراتيجية اتصال ملائمة، ومراكمة الممارسات الجيدة، والقيام بالتعديلات الممكنة عن طريق نظام تتبع و تقويم فعال و كذا جمع و معالجة المعطيات و إصدار منتوجات رقمية و خرائطية في إطار نظام معلومات جغرافية.([4])
رغم ما جاء به هذا المخطط من استراتيجيات تبقى حبرا على ورق ليس إلا، فالبرامج الخاصة بمحاربة التصحر التي كانت من أهدافه الرئيسية لم تكن ملائمة ولم تعطي أكلها، حيث تم استعمال الحواجز الرملية التقليدية، باستعمال منتوجات محلية كجريد النخيل، والتي تتلاشى مع الحرارة ، ومع قوة الرياح تنزف من مكانها، كما أنها سرعان ما تملأ بالرمال وتغطى بالكامل في الأخرى.
فالطريقة المثلى في محاربة زحف الرمال هي إعادة تشجير المناطق الخالية والمعرضة للترمل، بأشجار النخيل والزيتون مع القيام بزراعات قرب هذه الأشجار في آن واحد، لضرب عصفورين بحجة واحدة، الأولى إيقاف زحف الرمال، والثانية إنعاش الإقتصاد المحلي وتحسين أجور الفلاحين، للتخفيض نسبة الفقر بها.
أما فيما يخص محاربة الفقر فقد تم توزيع بعض الأغنام على عدد قليل من الساكنة، وتوزيع حوالي مليون نخلة على الفلاحين، في حين نحن نعلم أن الجفاف قضى على جميع المراعي. ففي أي مجال سوف ترعى هذه الأغنام؟ وفي أي مجال تنموا فيه هذه النخيل؟.
يجب على المخططات أن تكون هادفة لا اعتباطية، فسكان الواحات تحتاج إلى وحدات التخزين التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة، وأن تكون عمومية لا مجال لها للخصخصة، وأن تكون بثمن يخدم مصالح الجميع، بالإضافة إلى إنشاء مشاريع تنموية كمراكز للتحول التمور وأنت تنتشر في جل المناطق الواحية. بالإضافة إلى تشجيع الجمعيات المدنية التي بدأت تظهر بشكل كبير في هذه المناطق وتسعى إلى تأهيل المرأة القروية من خلال إدماجها في سوق الشغل.
3_ تدبير المناطق المحمية: 
أصبح الحفاظ على الأوساط الطبيعية رهانا حاسما من أجل المحافظة على التنوع البيولوجي. فخلال الفترة الممتدة ما بين سنة 1942 و 1991، أنشأ المغرب أربع منتزهات وطنية: توبقال سنة 1942، وتازكا سنة 1950، وسوس ماسة سنة 1991، وإيريكي سنة 1994.
ساعد تنفيذ هذا المخطط على تعزيز الشبكة الوطنية للمناطق المحمية من خلال إنشاء عام 2004 أربعة متنزهات وطنية أخرى هي: المنتزه الوطني للحسيمة والمنتزه الوطني تلسمطان والمنتزه الوطني لإفران والمنتزه الوطني للأطلس الكبير الشرقي. وفي عام 2006 أنشأ المنتزه الوطني لخنفيس و في عام 2008 المنتزه الوطني لخنيفرة ليرفع بذلك عدد المنتزهات الوطنية بالمغرب إلى 10 منتزهات ليصل المساحة الإجمالية للمنتزهات الوطنية إلى 606000 هكتار.
وبالإضافة إلى شبكة المنتزهات الوطنية، قام المغرب بإنشاء ثلاث محميات للمحيط الحيوي: المحيط الحيوي للأركان والمحيط الحيوي لواحات جنوب المغرب والمحيط الحيوي القاري لمنطقة البحر الأبيض المتوسط
وفي هذا الإطار فقد استفادت المناطق الواحية من حصتها في تدبير المناطق المحمية،   حيث تم خلق المحيط الحيوي لواحات جنوب المغرب ، الذي يمتد إلى أقاليم الرشيدية وزاكورة وورزازات، تتوفر الآن على مخطط إطار للتدبير.
كما أن هذا المخطط يهدف إلى تعزيز الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الضرورية من أجل تحقيق التنمية المستدامة لفضاءات الواحات، وتثمين الثروات التي تزخر بها.
وسيعزز هذا المخطط، الذي أعدته وزارة الفلاحة والصيد البحري، بتعاون مع الجمهورية الفيدرالية الألمانية والوكالة الألمانية للتعاون، إضافة إلى مجموع الفاعلين في مجال التنمية المتدخلين في هذه الأقاليم، الظروف المثلى لتحسين سبل عيش السكان، وكذا المساهمة في أهداف الألفية من أجل التنمية، ولاسيما ما يتعلق بالتنمية المستديمة.([5])
يشار إلى أن منظمة اليونسكو سجلت في شهر نونبر 2000 منطقة الأقاليم الثلاثة الواقعة جنوب المغرب (ورزازات، الراشيدية، وزاكورة) "محمية للمحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي".
وقد أصبحت هذه المنطقة، مع اعتبارها كمحمية للمحيط الحيوي، جزء لا يتجزأ من البرنامج العالمي لليونسكو الخاص بالإنسان والمحيط الحيوي.
وعلى الرغم من أن الكثير من المشاريع والمبادرات جرى تنفيذها بمنطقة محمية المحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي لحد الآن، فإن مخطط إطار التدبير، الذي يعد وثيقة إلزامية تجاه اليونسكو وأداة أساسية من أجل تدبير مستدام لهذا الفضاء، لم يجر إنجازه بعد.
وتمنح شبكة المحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي، اليوم مع أكثر من480 موقعا في أكثر من100 بلد، إمكانية اختبار مقاربات تربط المعرفة العلمية وأساليب الحكامة.
وستجري الاستعانة بهذه الشبكة كنموذج لتطوير الاستراتيجيات، التي تؤمن سبل عيش السكان على المدى الطويل. ويتعلق الأمر، حسب مصممي مخطط إطار التدبير، بالبرهنة على أنه بإمكان الإنسان استعمال محمية المحيط الحيوي دون تدميره.
وتعد محمية المحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي، المحمية الثانية للمحيط الحيوي التي يتم إنجاز مخطط إطار لها، بعد "محمية المحيط الحيوي لأشجار الأركان".
وبالنظر للتعريف الواسع لأهداف محمية المحيط الحيوي، فإن الأمر لا يتعلق بمفهوم لحماية الطبيعة، بل بمخطط عام ومندمج للتنمية القائمة على التنوع الطبيعي لهذه المنطقة.

لكن في ظل الأوضاع البيئية المقلقة التي تعيشها الواحات، كيف يمكن ضمان استمرارية هذه المحمية الإيكولوجية؟
                          III.            الأوضاع البيئية المقلقة للواحات المغربية:
1-    التصحر: التجليات والأسباب
ولعل من أهم مظاهر تدهور البيئة: التصحر وتدهور الموارد المائية والتنوع البيولوجي...
واٍذا كان التصحر هو "كل تدهور للأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة، نتيجة عوامل مختلفة من بينها الاختلالات المناخية والأنشطة البشرية" فاٍن من تجلياته:
- انجراف التربة بفعل سيلان المياه السطحية حيث يقدر فقدان التربة ب: 6 م3 للهكتار سنويا في حوضي زيز وغريس....
- انقراض الغطاء النباتي وخصوصا الغابات والحلفاء وأزير...
- تدهور المراعي الغابوية والجماعية حيث تقلصت مساحاتها بشكل كبير...
- تدمير الأراضي الفلاحية المتواجدة على ضفاف الأنهار...
- ظاهرة زحف الرمال وتقدر المساحات المهددة بها في الإقليم  الرشيدية ب: 25.000 كلم مربع تقطن بها 200.000 نسمة وتهم على الخصوص دوائر : الرشيدية وأرفود والريصاني وكلميمة...
- تدهور المراعي في المناطق الصحراوية تحت وطأة الرياح والرعي المفرط...
- الترسبات المتواجدة في الأودية المزودة بكيفية متواصلة بالفيضانات والتي تكون المصدر الرئيسي للرمال.
- صعود الملوحة في التربة سواء في المناطق السقوية أو المراعي.
ومعلوم أن أسباب التصحر تتوزع إلى صنفين: صنف طبيعي وآخر سوسيو- اقتصادي...
الأسباب الطبيعية تتمثل في: ضعف التساقطات، وقساوة المناخ (جاف شمالا وشبه جاف وصحراوي جنوبا) إضافة إلى تحولاته وتوالي سنوات الجفاف وقوة الرياح وملوحة التربة دون نسيان طبيعة التكوين الجيولوجي للمنطقة (صخور رملية وملحية وتغور الفرشاة المائية والتأخر الحاصل في استغلال التقنيات الحديثة... وهذا ما يعوق نمو الغطاء النباتي وتخليفه ويؤدي إلى تفاقم ظاهرة التصحر خصوصا في فترات الجفاف... دون نسيان الأمراض النباتية (البيوض...).
وعلاوة عما سلف، يؤدي ضعف الغطاء النباتي إلى سيلان المياه السطحية وفيضان الأنهار والأودية...
أما الأسباب السوسيو- اقتصادية، فرغم أنها تتوحد في الفقر، فهي تختلف باختلاف المناطق.
ففي المنطقة الشمالية (السفوح الجبلية الشرقية للأطلس الكبير) توجد أهم الغابات (حوالي 123 ألف هكتار) وهي تتوزع بين الكروش والعرعار والأرز والحلفاء وأزير، وأغلبها يوجد في حالة جد متدهورة لأن سكان هذه المنطقة يتعاطون لتربية المواشي في المراعي الغابوية والجماعية ويقطعون حطب التدفئة وخشب البناء. ويقدر استهلاك حطب التدفئة الذي يؤخذ من الغابة بما بين ثلاثة وخمسة أطنان لكل عائلة سنويا، أي ما يتراوح بين 30.000 و50.000 طن سنويا، ومعلوم أن الاستغلال المفرط للغابات بالرعي الجائر والاجتثاث العشوائي للغطاء النباتي وتحطيمه وقطع الأغصان لتغذية المواشي وعدم احترام محميات الرعي وسنوات الجفاف المتتالية... يشكل أهم العوامل المؤدية إلى انقراض الغابات، سيما أن عدد المواشي بدائرة اٍملشيل أسول والريش مثلا يناهز: 600.000 رأس وهو عدد هائل تعتمد أغلبيته على المراعي الغابوية أو الجماعية وهو ما يؤدي إلى أضرار بليغة منها:
- تقلص مساحات المراعي الغابوية بشكل كبير وتدهورها بالتشذيب المفرط لأغصان الأشجار.
- ضعف اٍنتاجية المراعي والقطاع الفلاحي.
- تقلص الغطاء النباتي بقطع الحلفاء ونباتات أخرى لتغذية المواشي...
- تدمير التربة السطحية وتأثر البنيات التحتية والواحات...
- غلاء كلفة المعيشة وهجرة الأراضي نحو المدن وتدهور الوضع الصحي بانتشار بعض أمراض العيون...
أما في المنطقة الجنوبية فتتواجد غابات الطلح (حوالي 46 ألف هكتار) وهي بدورها متدهورة وأهم أسباب تدهورها هي:
استقرار الرحل وزحف العمران على الأراضي الفلاحية والغابوية واعتماد مشاريع غير مكيفة وقلع الأعشاب من أجل التدفئة والطهي والتغذية... والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، مما يؤدي إلى تغور هذه المياه وبالتالي انقراض أشجار النخيل في الواحات إضافة إلى الاستعمال غير المعقلن للمبيدات والمواد الكيميائية وزحف الرمال الناتج عن الظروف المناخية الصعبة والاستغلال المفرط للثروات الطبيعية، حيث إن تزايد الطلب على حطب الطبخ والحاجة إلى استغلال الأراضي الفلاحية والرعي الجائز أدت إلى تقلص مهم للغطاء النباتي مما كثف من سهولة حركة الرمال بواسطة الرياح وتراكمها على الأراضي الفلاحية والمسالك وقنوات الري والطرق.
وعلاوة على هذه الآثار السلبية على البيئة، فإن لهذه الظاهرة نتائج وخيمة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي تتمثل في تقلص الإنتاج الفلاحي...
وما سلف كله أدى إلى تقلص الغطاء النباتي (الغابة، المراعي، سهوب الحلفاء، الواحات.... الخ) والتعرية (انجراف التربة، الترمل...) وتدهور الوحيش بفعل تدهور نظامه الغذائي والتوالدي، وظهور أنواع جديدة غير متلائمة مع الوسط، وتدهور المستوى المعيشي للسكان، وتغير السلوك واستفحال الفقر والهجرة القروية...([6])
2-    الماء: ندرة واستنزاف
ولأن الماء أهم عوامل الاقتصاد بالمنطقة، ولأن الطلب عليه في ازدياد مضطرد، سواء لتلبية حاجيات القطاع الفلاحي والسياحي أو لحاجيات الأسر، فمن الطبيعي أن تعطى أهمية خاصة لهذه المادة الحيوية.
ولأن الواحات منطقة جافة، يطرح مشكل المياه بحدة، حيث مناخ شبه صحراوي ومعدل التساقطات السنوية ضعيف جدا، اٍضافة إلى توالي سنوات الجفاف والاستغلال المفرط للثروات المائية وتوسيع الأراضي الفلاحية واعتماد بعض المنتوجات التي تتطلب كميات كبيرة من الماء وعدم تفعيل القوانين المتعلقة بالحد من تبذير الماء لأن المصدر الأساسي الثروات المائية هنا هو الأودية والفرشة المائية السطحية المستغلة عن طريق الخطارات والمضخات.([7])
ولهذه الظاهرة انعكاسات على المستويين البيئي والسوسيو- اقتصادي، خاصة تدهور التنوع البيولوجي واستنزاف الفرشة المائية، ينضاف إلى ذلك الجانب الصحي والاجتماعي، حيث انتشار بعض الأمراض وتنامي الفقر والهجرة وتراجع الاٍنتاجية وتأثر البنية التحتية لتعبئة المياه (السدود).
3-    التنوع البيولوجي: تدهور وتراجع
إلى ما سلف، يضاف أن شساعة الواحات  وغنى تنوعها البيولوجي (جبال، واحات…) يعطيها مميزات إيجابية مكنت السكان من الاستمرار في العيش بهذا الوسط الصعب ذي التوازن الهش. لكن المؤسف هو أن التنوع البيولوجي مهدد حاليا بالتدهور والتراجع مما أدي إلى نقص في تنوعه النباتي والحيواني، حيث سجل انقراض عدة أنواع وفصائل بدائية ومستأنسة ذات خصائص ملائمة لمختلف الظروف الصعبة... وهذه ظاهرة ناتجة عن عدة عوامل مرتبطة بطبيعة المناخ السائد، وتوالي سنوات الجفاف إضافة إلى النمو الديمغرافي والنشاط البشري المتمثل في تغير نمط استغلال المجال، والفقر وعدم الاهتمام بالبحث العلمي، وغياب برامج للحفاظ على السلالات الأصلية بسبب إدخال أصناف جديدة تقضي على الأصناف المحلية والاستغلال العشوائي للموارد الطبيعية والصيد والقنص العشوائيين وزحف الجراد وطرق محاربته وانعدام الوعي وثقافة المحافظة على البيئة وغياب إطار تشريعي مقنن للتعامل مع البيئة وغياب رؤية بيئية عند المسؤولين على تخطيط المجال البيئي وانعدام التواصل بين الإدارة والساكنة بخصوص المحافظة على الموارد الطبيعية...
وكل ما سلف، يؤدي إلى اضطراب الدورة البيولوجية وانقراض أصناف محلية من أعشاب طبية وأصناف حيوانية إضافة إلى اختلالات في التوازن البيئي وتضرر بعض الأنواع وانقراضها وارتفاع درجة الحرارة مع ندرة التساقطات... وأيضا تراجع فرص الشغل وتفاقم الفقر واحتدام ظاهرة الهجرة وظهور بعض الأمراض مع ضعف المناعة وتقلص المساحات المزروعة والمراعي...
وللإشارة، فإن المحافظة على هذا التنوع البيولوجي يجب أن تندمج ضمن برامج التنمية القروية للمنطقة اعتمادا على البحث العلمي والخبرات المكتسبة لدى السكان المحليين عبر العصور دون إغفال تحسيس وإخبار مختلف المتدخلين والمعنيين.
4-    ميثاق على رفوف التهميش:
والغريب هو أنه رغم وعي الجهات المسؤولة بهذا الوضع، وبخطورة انعكاساته (استفحال الفقر، الأمراض، الهجرة...)، فإنها ما تزال لم ترق إلى مستوى اللحظة وخطورتها حيث لم تتخذ المبادرات اللازمة، وأكثر من ذلك، فإنها تجاهلت "الميثاق الإقليمي للمحافظة على الموارد الطبيعية" ولم تعمل على تفعيل بنوده، حيث، وفي إطار "برنامج دعم مخطط العمل الوطني لمكافحة التصحر وآثار الجفاف"، وبتأطير من وكالة التنمية الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركائهما، نظمت ورشات دراسية للاستشارة والبرمجة، وذلك منذ سنتين (يومي 24 و 25 أبريل 2003 ) بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافيلالت بالرشيدية, وذلك تحت شعار "جميعا من أجل ميثاق إقليمي مستدام للمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية". وهي ورشات ساهم فيها المنتخبون والجمعيات والمصالح الخارجية والسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية...، وانتهت إلى صياغة ميثاق إقليمي متفائل طموح ومستبشر تضمن عشرات البنود التي من شأن تفعيلها تحويل الإقليم إلى جنة عدن...!!!
وأهم هذه البنود هي:
- تشجيع البحث العلمي وإنشاء مرصد لتتبع ظاهرة التصحر ومركز متخصص للتوثيق والبحث والإعلام حولها...
- إدراج مواضيع ومفاهيم مرتبطة بالظاهرة ضمن برنامج محو الأمية والتربية غير النظامية و البرامج التعليمية
- دعم وتقوية الفاعلين الجمعويين وإدماج المجتمع المدني والسكان كشريك فعال في مكافحة الظاهرة
- محاربة الفقر بدعم المنتوج المحلي وتثمينه وتشجيع المشاريع التنموية المدرة للدخل
- عقلنة وترشيد استغلال الموارد الطبيعية
- مراجعة الجانب التشريعي والمؤسساتي لمكافحة الظاهرة وتفعيله.
- التنسيق بين المتدخلين محليا ودعوة القطاع الخاص للانخراط في مكافحة الظاهرة و تكوين وتأهيل الهيئات المنتخبة للانخراط في هذا المجال.
- إحداث وكالة لتنمية المنطقة الجنوبية الشرقية وخلق جهة إدارية خاصة بالمنطقة وصناديق تضامنية لمكافحة الظاهرة...
- خلق برنامج إقليمي للتنمية المحلية المندمجة والمستدامة وتشجيع مشاريع وأنشطة السياحة البيئية والثقافية ودعمها...
- الاستفادة من الإمكانيات والتجارب الجهوية والوطنية والدولية وإنجاز دراسات حول الظاهرة.
- عقلنة استغلال الموارد الطبيعية وترشيده مع دعم استعمال الغاز الطبيعي وتعميمه وتشجيع استعمال الطاقات المتجددة ودعمها.
- استصلاح البنية التحتية السقوية واستكمال تجهيزاتها الضرورية وضمان استمراريتها وتطعيم الفرشة المائية واستصلاح الأحواض والحفاظ على التربة واستغلال الأراضي الرملية بالسقي الموضعي وإعادة تأهيل الخطارات وترشيد استعمال الموارد المائية وعقلنتها مع إدخال التقنيات الحديثة للسقي (السقي الموضعي) وتأطير جمعيات مستعملي المياه في الميادين التنظيمية والمؤسساتية والتقنية وحماية الغطاء النباتي وتعزيز برنامج التشجير في المناطق الجبلية والأحزمة الخضراء حول المدن و إعادة إحياء وتخليف الغابات والواحات وتكثيف مشاريع التثبيت الميكانيكي والبيولوجي للرمال...
- خلق محميات للوحيش وحماية الأصناف الوحيشية والنباتية المهددة بالانقراض
- تفعيل مقتضيات محمية المحيط الحيوي لواحات جنوب المغرب واعتماد المقاربة التشاركية والمقاربة النوعية وفق مبادئ العمل الميداني لتفعيل وأجرأة هذه البنود...
الورشات أسفرت أيضا عن تشكيل مجموعة عمل إقليمية لمتابعة النتائج، لكن يبدو أن غياب الإرادة لدى المسؤولين قد فعل فعله، لذلك فقد ظلت بنود الميثاق حبرا على ورق، حيث، ومنذ المصادقة عليه، تم ركنه على رفوف التهميش والنسيان...!!!
والنتيجة: مزيد من التدهور البيئي، ومزيد من البؤس والفقر والمعاناة والاحتجاج...!!!([8])
         ففي ظل كل هذه الإكراهات التي تعيشها الوحات المغربية، يصعب حمايتها وتدبيرها والحفاظ على كل مواردها سواء البشرية والطبيعة، في حين أن هذه الإكراهات في تزايد مستمر مع مرور الشهور والسنوات خصوصا في ما يخص تراجع  الموارد المائية التي تعتبرها جل الواحات عمادها الأول والأخير، بالإضافة إلى إرتفاع نسبة التصحر بهذه المناطق، حيث نجد جل الواحات التي توجد في تافيلالت وفكيك وورزازات وكذا سوس تحوم حولها الرمال وفي بعض الحالات نجد وصول الرمال إلى داخل الواحة، مما يؤدي إلى تقلص مساحاتها الإجمالية وتراجع مرددوها الفلاحي، زد على ذلك الأمراض الناتجة عن الجفاف والتصحر كالبيوض الذي يتعرض إليه النخيل ويؤدي إلى موته، فالوحات المغربية تواجه خطر البيوض بكل ما يتوفر لديها من وسائل تقليدية. فهل تستطيع الواحات المغربية الاستمرارية في ظل البرامج والتدابير المنسية التي وضعت من أجلها؟.
خاتمة:
ليست الواحات منظومات إيكولوجية طبيعية، بل هي نتاج للذكاء البشري في الصحراء. فالواحات هي حصيلة خطة دقيقة في تنظيم وتدبير المجال الصحراوي، تهدف إلى الحد من امتداد التصحر بإنشاء مناطق ومجالات بيئية مصغرة ومتوازنة. كما أنها تمثل خزاناً فريداً من التنوع البيولوجي ومن المدارك والمعارف المستدامة، حيث تمتلك ساكنتها حلولاً يمكن إعادة طرحها وتكييفها وتجديدها بمساعدة التكنولوجيا الملائمة.
إن من شأن هذه المدارك التي وصلتنا من حضارات قديمة أن تساعدنا على وضع إعدادات تكنولوجية جديدة تمكن من تثمين الموارد المحلية وتدبيرها على المستوى المحلي، وتسمح بتمازج وتلاقح القيم التقنية والأخلاقية والجمالية المتنوعة، وبالتوصل إلى إنتاج يخدم رفاهية الساكنة المحلية أخذا بمبدإ أن يغذي كل نشاط، نشاطاً آخر دون أن يخلف نفايات أو مخلفات ملوثة، وباستعمال الطاقات المتجددة باستمرار.
تشكل الواحة نموذجا فريدا بالنسبة لكوكبنا ككل. والعمل الذي شرع فيه المغرب، في إطار استراتيجية التخفيف من آثار التغيرات المناخية والتأقلم معها داخل الواحات المتأقلمة مع تلك التغيرات المناخية، يتطلب شراكات متينة ورصد اعتمادات مالية مهمة من أجل الحفاظ على هذا النموذج المستدام.
لقد تبنت الدول العربية، هي الأخرى، مبادرة حول الواحات والصحاري المتأقلمة مع التغيرات المناخية. وإننا مطالبون بإثارة انتباه الالتزام الدولي، وخاصة واحات العالم، لخدمة قضية الواحات والصحاري المتأقلمة، ذات الأهمية القصوى.
المصادر المعتمدة:
- المشروع الوطني للإنقاد وإعداد الواحات،2006،
 وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة. ص3، ع ص 34.
- رشيد وريت، 2014،
 قراءة في المشروع الوطني الإنقاد وإعداد الواحات، عمود زاكورة برس
- برنامج واحات تافيلالت،2006، مديرية إعداد التراب الوطني.
- الوزارة المنتدبة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة ، المكلفة بالبيئة. " فضاءات المحمية".
- علي بنساعود، 2005،
 الوضعية البيئية بإقليم الرشيدية: تدهور حد الخطورة ومبادرات على رفوف التهميش والنسيان،
 الحوار المتمدن ، محور الطبيعة والتلوث وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر، العدد 1168.
- علي بنساعود،  2005، الطبيعة، التلوث ، وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر.
 الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15  المحور
[1]- المشروع الوطني للإنقاد وإعداد الواحات،2006، وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة. ص3، ع ص 34.
[2] - نفسه.
- رشيد وريت، 2014، قراءة في المشروع الوطني الإنقاد وإعداد الواحات، عمود زاكورة برس.[3]
[4] - برنامج واحات تافيلالت،2006، مديرية إعداد التراب الوطني.
[5]- الوزارة المنتدبة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة ، المكلفة بالبيئة. " فضاءات المحمية". 
[6] - علي بنساعود، 2005، الوضعية البيئية بإقليم الرشيدية: تدهور حد الخطورة ومبادرات على رفوف التهميش والنسيان، الحوار المتمدن ، محور الطبيعة والتلوث وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر، العدد 1168.
- علي بنساعود، 2005، مرجع سابق.[7]
[8] - علي بنساعود،  الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15  المحور: الطبيعة، التلوث ، وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر.


Commentaires