المقالات والمحتويات

قصص قصيرة

مفهوم المجال: غنى الدلالة ومستقر جل العلوم


مفهوم المجال: غنى الدلالة ومستقر جل العلوم .
يعتبر مفهوم المجال من المصطلحات التي تتضارب وتتشارك فيه كل العلوم، بل وتتقاطع فيه، كونه بؤرة تقاطعات لعدة معارف، هذا ما يفضي إلى البعد المعقد للمفهوم، وتعد الجغرافيا من العلوم التي تهتم بالمجال، وبهذا الأخير حققت طفرة مهمة في فهم الظواهر البشرية والمجالية، واهتمام الجغرافيا بالمجال لم يكن وليد الصدفة بل وليد عدة عوامل منها كون المواضيع الجغرافية بشرية كانت أو طبيعية تنطلق من المجال لتعود إليه، بالإضافة إلى اهتمام الجغرافيا بالفوارق المكانية بين المدن والقرى، السهل والجبل، والساحل والداخل...، كلها عوامل جعلت الجغرافيا تحتك بالمجال أكثر من غيرها، من أجل إخراج هذه المواضع من جل المشاكل التي تتخبط فيها، واقتراح آليات ومكانيزمات جديدة لهته المشاكل، لتحقيق تنمية منشودة لها.
ولعل أنجع مقاربة لهذا المفهوم، المنهجية الشمولية، مع اتقاء تعدد المفاهيم، كونه محط التقاء مجموعة من العلوم." هكذا شكل المكان مادة تقاطعت فيها مختلف العلوم، وأخذت تتجاذبه اتجاهات ونظريات"[1]. هذا ما يفضي بنا إلى وضع التساؤل التالي، ما المجال عند كل العلوم التي تتقاطع مع علم الجغرافيا، وكيفية تحديدها لهذا المفهوم؟
إن العلوم الاجتماعية اختلفت حول مفهوم المجال على مر العصور، فهناك من استعمل المكان والفضاء، عوض المجال، فتعددت مدلولاته بدلالات واسعة، كل يعرفه حسب الزاوية التي ينظر لها، وهكذا ذهب إلى تحديده J. Tricart على أنه " سطح الأرض برمته، وهناك تعريف محدود وضعة ماكس صور، حيث أطلق على المجال الجغرافي المناطق المستغلة من طرف السكان، ويستثني بعض المناطق غير المستغلة استغلالا كافيا مثل المناطق القطبية والغابات الاستوائية وبعض الصحاري"[2]، فهذا التعريف الأخير يمكن اعتباره تعريفا متجاوزا، نظرا لأن الجغرافية واسعة وغير محدودة، ولا يمكن أن تحد بالمجالات المستغلة، بالإضافة إلى ذلك، فعصرنا اليوم أصبح يستغل كل الأماكن سواء الصحاري أو المناطق القطبية أو الغابات كيفما كان نوعها، فالمناطق الجبلية مثلا كانت غير مستغلة بفعل شدة البرودة والثلوج، وفي يومنا هذا تحولت إلى مجالات سياحية ( التزحلق فوق الثلوج)، وأصبحت تكتسي أهمية بالغة في إنعاش الاقتصاد المحلي، وكذا الصحاري الخالية أصبحت محطات سياحية ذات أهمية بالغة خاصة في الشرق الأوسط، فالصحاري هنالك تحولت إلى عمارات وفنادق فاخرة تعد لسياحة والاستجمام. وبالتالي هذا التعريف لا مجال له للصحة في هذه الفترة.
ومن الناحية الجغرافية فتحديد المجال الجغرافي يعد من الصعب بما كان، نظرا لتألفه من "عناصر مرئية كالأماكن والشبكات الطرقية، وعناصر غير مرئية جلية في علاقة التبادلات بين الأماكن التي تشكل بنيتها، خلافا لتصورات التي تهتم بالمجال الاجتماعي والقانوني والمجال الاقتصادي، كلها تعمل تحت لواء العلاقات المجردة. أما المجال الجغرافي يأخذ كلا من العلاقات المرئية والمجردة، أي التفاعل بين الأماكن والقوانين التي تؤطرها" [3].
نفس الحقل جاء مفهوم " المجال في الجغرافيا سواء منها البشرية أو الطبيعية، فمعظم المؤلفين والمهتمين استخدموا نفس المصطلح سواء نفسه أو عن طريف ربطه بصفة للإنشاء مفاهيم مركبة كالمجال الطبيعي أو الاجتماعي أو الجغرافي، بيد أن الدلالات الدقيقة نادرة جدا، لا تسمح بمعرفة أن هؤلاء المؤلفين أو المهتمين نهجوا نفس المنحي الدلالي.
ويبد من خلال هذا، أنهم استخدموا مصطلح المجال دون تحديد معناه، مما ثبت غامضا، وبالتالي، سيكون من المثير للاهتمام دراسة هذا الغموض واللجوء للعديد من المفاهيم المركبة لتحديده ورفع اللبس عليه [...].
إن تعريف المجال ليس بالأمر السهل، هذا جلي عند البحث في مدلوله ضمن قواميس اللغة، من قبيل قاموس Robert الفرنسي و اعتبر المجال" الأقل وضوحا، ويعني به سطح الأرض وامتدادها للغلاف الجوي" [4]. وبهذا نكون أمام مصطلح غير محدد ولا مقيض بحدود ترابية. وذلك راجع بالأساس إلى أن الإنسان المجالي لا يكتفي بحدود هذه الأخير، وإنما يتمادى استغلاله للمجال إلى حدود مجالات ترابية أخرى.  
إذا ربطنا السالف بالمجال المعنى بالدراسة، نجد دينامية هذه الأخيرة لا تقتصر على حدودها الترابية فقط، وإنما تنح نحو استغلال المجالات الترابية المجاورة سواء القريبة منها والبعيدة. وإلى هنا نكون أمام مجال صعب تحديده انطلاقا من الحدود الترابية، في ظل الامتدادات غير المنتهية لساكنته، وبالتالي يمكن اعتبار المجال "الصفحة البيضاء التي تحتضن الأنشطة البشرية"[...] ويمكن اختصار دلالات المجال في كونه " نظام العلاقات ومنتج النظم الاجتماعية "[5]، أي أن المجال يحدد نظم العلاقات البشرية، وبالتالي تحديد المجال يستحيل بالبتة المطلقة، إبان عدم استقرار العلاقات البشرية واعترافها بالمجال المستغل. وعند إيثاقها بالمجال التغرامتي نلاحظ أنشطة سكانه تتعدى الحدود الترابية إلى حدود ترابية أخرى، وبل واستفاضا من ذلك يصل إشعاعها إلى ما وراء الحدود الدولية.
فجماعة تغرامت نموذج لمجال جغرافي صغير، يشهد تحولا على معظم أصعدته، خاصة الفلاحية والتجارية، ويصل صداها الإشعاعي للمجالات المجاورة خاصة خميس أنجرة، والفنيدق وطنجة، ليتخطى ذلك إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، ليكون تحديد المجال أو تعريفه انطلاقا من تأثيرات الأنشطة البشرية غير مجدي، وذلك راجع إلى تضافر أنشطة المجال مع أصعدة مجال أخر وتتوالى على هذا المنوال. ليشكل بذلك المجال " مجموعة من الأماكن المركزية هرمية الشكل، وظيفته كالشبكة، يعادل نموذج المركز، وبهذا يكون تحليل المجال وفق نظريات هندسية متشابكة "[6] 



- بلفقيه ( محمد)، 2002، مرجع سابق، ص 290.[1]
[2] - البرجاوي ( مولاي مصطفى)، " الجغرافيا وإشكالية البيئة: البيئة المغربية واقع وآفاق" ص 31.
[3] - Christine ( Voiron ), Jean-Pierre (Chery), 2005, " Espace géographique, spastialisation et modélisation en Dynamique des Systèmes " 6 ème congrès Européen de Science des Systèmres, p 2. 
[4] -  Alexios ( Kistsopoulos),2005 , " «Espace » : un concept central mais ambigu " Mémoire présenté à la faculté des Lettres de l’Université de Lausanne, direction de mémoire M. Cosinschi, p 17, 18.
[5] - Alexios ( Kistsopoulos),2005, référence précédente , p 18.
[6]-  " L’espace des géographes, Epistémologie de le notion d’ESPACE en géographie " site web, www.concours.hestegio.org/ PDF, p2.



Commentaires