المقالات والمحتويات

قصص قصيرة

ضواحي مدينتي طنجة وتطوان: نموذج لتنمية مجالية حقيقة


مقدمة:
تمثل الضواحي بأنواعها المختلفة وأدوارها الوظيفية المتمايزة وحدة سوسيوإيكولوجية من وحدات المجتمع ككل، هذه المجالات أصبحت اليوم محل أنظار العديد من المهتمين والباحثين والاقتصاديين وغيرهم، لما تتوفر عليه من إمكانات طبيعية وبشرية مهمة يمكن تحويلها إلى مشاريع اقتصادية كبرى. هذه المجالات أصبحت تشهد تحولات عميقة في وظائفها ومكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية لكونها تخضع لجاذبية المدن واستقطاباتها. إلى درجة لم نعد قادرين على تحديد المجال الضاحوي من المجال الحضري.
في عهد قريب كانت المجالات الضحوية تعيش على اقتصاد الفلاحة المعيشية والرعي، وبعض الصناعات التقليدية من أهمها الفخار والنسيج التقليدي وغيرها من الصناعات التقليدية، لكن مع تطور المجتمع والاحتكاك المتواصل مع المدن التي أصبحت تعرف تضخما سكانيا وعمرانيا، هذا بالإضافة إلى تطور الصناعات بها، كان من اللازم البحث عن أماكن أكثر أخرى لحل أزمات المدن على مستوى السكن والمناطق الصناعية والمرافق الموازية لها.
ولهذا أصبحت الضواحي المغربية، وعلى رأسها الضواحي جهة طنجة تطوان، تشهد تغيرات واضحة على جميع الأصعدة. بفعل الموقع والإمكانات الطبيعية التي تحتضنها. فموقعها الساحلي المتنوع إيكولوجيا من شواطئ رملية وصخرية والأراضي الرطبة، وإحيائيات، كلها مقومات جعلت منه محطة أنظار رغم أنه مجال هش وغير ومستقر.
إن المجال الساحلي هو في نفس الوقت منطقة تمركز الساكنة ووعاء للأنشطة الاقتصادية والسياحية، فهو موطن لتراث بيئي غني ومهدد بما في ذلك الكائنات الحيوانية والنباتية والمناظر الطبيعية، إنه مجال للصراع والتقارب والاختلاف لعدة مصالح والعديد من الفعاليات. فالسواحل المتوسطية كانت في عهد قريب سواحل مهمشة نسبيا، ومعزولة عن باقي المناطق بسبب تضاريس سلسلة جبال الريف، بحيث كانت متأخرة في التنمية الصناعية والسياحية، لكن اليوم وبفعل العديد من المشاريع الكبرى على رأسها الميناء المتوسطي، أصبح يعرف مجموعة من الأنشطة الاقتصادية المهمة، وظهور مدن جديدة به، هذا إلى جانب التحولات الاجتماعية والاقتصادية وكذا المجالية بمعظم المجالات القروية التي تنتمي لهذا الشريط الساحلي.
لم تخلوا هذه التحولات من عدة مشاكل، منها ما هو بشري، ومنها ما هو طبيعي محض. وبهذا سنحاول في هذا التقرير أن نتطرق إلى عدة محطات مجالية عرفت تحولات عميقة، أفرزتها المشاريع الكبرى التي شهدها الساحل المتوسطي المطل على مضيق جبل طارق. كما سنحاول التطرق إلى أهمية الموقع، و الموارد الطبيعية التي يزخر بها، إضافة إلى إبراز أهم المشاريع التي احتضنها هذا المجال الذي كان مهمشا في السابق، وآفاقه المستقبلة.
1-                مضيق جبل طارق، الموقع، والمؤهلات الطبيعية والبشرية.
لا يمكن إنكار أهمية الموقع في التحولات المجالية والاقتصادية لمضيق جبل طارق، فموقعه الإستراتيجي المتمثل في انفتاحه على الواجهة الأوربية، أهله إلى احتضان مشاريع كبرى، كما أن مؤهلاته الطبيعية من تضاريس متنوعة ومناخ شبه رطب مشبع بمؤثرات البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، هذا المناخ المعتدل المتميز بتساقطاته المهمة رغم عدم انتظامها وتركزها على المستوى الزمني، إلا أن المعدل السنوي للأمطار يتراوح ما بين 700 إلى 800 ملمتر في السنة. أما بخصوص الرياح، فبفعل مرور أهم التيارات الهوائية القادمة من المرتفع الأصوري ومنخفض خليج كاسكونيا، فإن المجال يتعرض للرياح طيلة السنة، وهي رياح إما شرقية أو غربية. أما من الناحية الجيولوجية فالمجال تعرض لعدة ضغوطات بنيوية خلال الميوسين، جعلت ركيزته تفقد استقرارها وينزلق بعضها على شكل طيات زاحفة نحو الجنوب، مما جعل مكوناتها الجيولوجية متعددة ومعقدة التكوين. هذا بالإضافة إلى توفر هذا المجال على موارد مائية نسبيا مهمة، وكذا مجالات غابوية متنوعة.
أما فيما يخص المؤهلات البشرية، فقد عرف مضيق جبل طارق استقرارا بشريا من أزل بعيد، كما شهد أيضا توافدات هامة من مجالات مختلفة، ولا يزال يشهدها إلى يومنا هذا، مما جعل هذه المناطق أكثر المجالات كثافة في المغرب من حيث السكان.
كل هذه المؤهلات الطبيعية والبشرية كان لها دور فعال في استقطاب عدة استثمارات داخلية وأجنبية، كان لها من الدور الفعال في تحول هذه المجالات على جمع أصعدتها. لكن السؤال المطروح، هل المجال الساحلي المتوسطي قادر على مواكبة هذه التحولات؟ وما مآل مجالاته القروية مع هذه التحولات؟. وهل قادرة على التكيف مع المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أصبحت تحتضنها؟ وما هي آفاق هذه المجالات في ظل هذه التحولات الكبرى؟ وما هي المشاكل التي أصبحت تعرفها هذه المجالات في ظل هذه التحولات العميقة؟. أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عنها انطلاقا من الوقوف على مجموعة من المحطات المجالية التي تختلف من حيث مكوناتها الطبيعية والبشرية. وكذا متباينة من حيث مؤثرات الاستثمارات والمشاريع المقامة في هذا المجال الساحلي.
2-                 المنطقة الصناعية لضاحية مدينة تطوان: مشروع في طور الإنجاز أفرزه المشروع الكبير للميناء المتوسطي.
يمثل مشروع الميناء المتوسطي لطنجة أسبقية استراتيجية لبلوغ التنمية الاقتصادية لجهة طنجة تطوان، ويعتبر كذلك نموذجا للتنمية المندمجة، يتمحور حول نواة مركزية يشكلها الميناء ويمتد في اتجاه تهيئات أخرى من مناطق حرة ومحطات سياحية. ومن هذه التهيئات المنطقة الصناعية التي تم تعبئتها في الظهير الخلفي لمدينة تطوان وطنجة، تمتد هذه المنطقة على مساحة إجمالية تناهز 160 هكتار، منها 33 هكتار مجهزة، تضم ما يقارب 99 بقعة أرضية. كما أنها تتوفر على جميع المرافق الضرورية والبنيات التحتية اللازمة لكل منطقة صناعية.
يسعى هذا المشروع إلى تطوير جزء كبير من الصناعة، كما أنه تابع لميناء طنجة المتوسط، أطلقت أشغاله سنة 2009، من أجل إرساء قاعدة صناعية في جهة طنجة تطوان، كما يعتبر حلقة وصل هامة لمدينة تطوان، سيعمل على احتضان وحدات صناعية وخدماتية للسوق الإقليمي الشمالي، بالإضافة إلى ذلك سيكون هذا المركب ذو أهمية كبرى في تعزيز وتماسك واستقطاب صناعات متنوعة لمدينة تطوان، وإنشاء منصة لوجيستيكية لتلبية حاجيات هذه الصناعات وتوزيعها. تحت تسير شركة TFZ وتحت ميثاق قانون ميناء طنجة المتوسط.
ومن مهام هذه المنطقة الصناعية إنشاء صناعات غير ملوثة، كما تهتم بتشجيع الاستثمارات الصغرى والمتوسطة، إذ أنها تخصص العروض بالدرجة الأولى إلى الأنشطة الصناعية الصغرى والمتوسطة والصناعات التحويلية والتجارة والخدمات الوجيستيكية.    
 في وقت قريب كان هذا المجال من المجالات المهمشة من طرف الدولة، لكنه أصبح مجالا مهما بفعل إمكاناته الطبيعية التي يحتضنها، فموقعه الاستراتيجي المتمثل في قربه من الطريق الوطنية رقم 2، وكذا قربه من مطار طنجة وطريق السيار، بالإضافة إلى قربه من الميناء المتوسطي، هذا إضافة إلى إمكاناته الطبيعية المتمثلة في احتضانه كل مقومات شبه الجزيرة، فالممر الهوائي الناتج عن الحاجزين التضاريسيين، أولها الذروة الكلسية التي تنتمي لوحدة طنجة الخارجية، والثاني وحدة بن يدر وتزرين، جعل منها منطقة ايكولوجية مهمة جدا، هذا إلى جانب المناخ شبه الجاف السائد بها الذي أفرز تنوعا نباتيا بالمجال.
رغم هذه الإمكانات التي يتوفر عليها، إلا أنه لا يخلوا من إكراهات طبيعية وبشرية، فالأولى تتمثل في ضعف الموارد المائية بها، على الرغم من وجود سد أجراس بالمجال، هذا السد أقيم سنة 1969، ويعتبر من المشاريع الفاشلة بالمغرب، الناتجة عن التهيئة غير العقلية له، فالمجال يتعرض لتعرية قوية بفعل تكوينات المنطقة الهشة، هذا إضافة إلى عدم وجود موارد مائية مهمة ودائمة يمكن أن تغدي السد بالمياه الضرورية. ومن نتائج هذه التعرية إضافة إلى التكوينات الجيولوجية، نجد اجتثاث للمجالات الغابوية المحيطة بالسد. والتي لم يتبقى منها إلا حيز صغير يحتضن مقدسا دينيا(مقبرة).
أمام هذه المشاكل التي تعرض لها سد أجراس وفقدانه للوظيفة التي أقيم من أجلها وخاصة الحفاظ على التنوع الإيكولوجي للمنطقة، تمت برمجته ليتحول إلى المنطقة الصناعية التي تجاوره، وبالتالي سيهدم ويلتحق بها. ومن المشاكل الأخرى التي تعتري هذا المجال نجد مشكل العقار، فتعدد الأنظمة العقارية بهذا المجال حال دون تعجيل التنمية المحلية به.
رغم كل هذه المشاكل، فالمجال سيصبح قطبا صناعيا امتياز، يحتضن جل الصناعات منها الخفيفة والصناعة النسيجية وكذا التجارية، بالإضافة إلى المنطقة الحرة " تطوان شور"، هذه الصناعات التي سيتقبلها المجال سيكون لها دور فعال في خلق تحولات عميقة داخل المجالات القروية التي تحيط بها والتي كانت ولازالت تقوم على أنشطة معاشية، ونشاط الرعي على طول سفوح المرتفعات. ومن المرتقب أن تتمدد هذه المنطقة الصناعية إلى 300 هكتار، ولهذا سيزداد تأثيرها إلى مناطق بعيدة عن المجالات القروية التي تحيط بها المركب الصناعي الواعد. 
3-                 جماعة عن الحصن: بين الحفاظ على مواردها الطبيعية واحتضان استثمارات أجنبية.
جماعة عين الحصن، أو ما تسمى تاريخيا بفندق عين الجديدة ، هي جماعة لملتقى ثلاث قبائل : قبيلة بن يدر، قبيلة واد راس ثم قبيلة أنجرة، هذه الجماعة شهدت تنمية منذ القديم بإمكاناتها البسيطة، بحيث كانت محطة استراحة للعديد من القادمين من مختلف مناطق المغرب، وكان سكان المنطقة يقدمون كل ما يحتاج إليه العابر من طعام وكلأ  وشراب للماشية.
طبيعيا تزخر الجماعة بموارد مائية مهمة ساهمت في تنميتها تاريخيا، هذه الوفرة في المياه ناتجة عن كون المجال نقطة تقسيم المياه بين المجال المتوسطي والمحيطي بفعل التكوينات الجيولوجية، كما انفتاح المنطقة على مجال مهوي كبير جدا جعل حركية الهواء حاضرة بالنسبة للرياح الشرقية.  مما جعلها تستقبل تساقطات مهمة بفعل هذه التيار المناخي. هذا إضافة إلى احتضان الجماعة مجالات شاسعة نسبيا من الأراضي شبه منبسطة يمكن أن تقام فوقها فلاحات متنوعة . وما يساعد على ذلك توفر الجماعة أيضا على فرشات باطنية تستغل عن طريق الآبار المنتشرة على جل تراب الجماعة، تستغل في الغالب كمورد مائي لشرب الماشية، وخاصة داخل وحدات تربية الدواجن.
ومن الإمكانات الطبيعية الأخرى التي تزخر بها الجماعة وكان لها الفضل الكبير إلى جانب الرياح الشرقية والمجال المهوي هناك التضاريس الجبلية، فجبل الحية بجماعة عين الحصن، لعب دورا مهما في تنمية المنطقة واحتضانها مشاريع كبرى، رغم هذه التنمية، إلا أن هذه المشاريع المقامة بالجبل ساهمت في خلخلة المجال طبيعيا وبشريا. فمن أهم المشاريع المقامة بجبل الحية ذو التكوينات الحثية المنفذة للماء وتكوينات الطمي والصلصال التابعة لوحدة طنجة، تجد محطة للطاقة الريحية تنتشر على حوالي 13 كلم تتوفر على 165 مروحية، تم تجهيز هذه الحقول الريحية بقيمة 32 مليار درهم، في حين أن كل مروحية واحدة تنتج حوالي 5.2 ميغاواط، ليكون الحجم الكلي التي تنتجه هذه المروحيات يناهز 140 مليون ميغاواط،[1] هذا المشروع ينضوي تحت لواء الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية، وباستثمار أجنبي من اسبانيا وألمانيا. ويدبرها المكتب الوطني للكهرباء. هذه الكميات المنتجة من الطاقة تصدر مباشرة إلى إسبانيا للاستفادة من الطاقة النظيفة عوض الطاقة البترولية. هذه المروحيات وفرت ما يناهز 1.5 مليون طن من المواد البترولية. وتم إنشاء أربع محطات لقياس سرعة الرياح، وهذا ما يدل على أهمية هذه الحقول الريحية في التنمية المحلية.
رغم أهمية هذه المشروع في استغلال الرياح بالمنطقة لتوفير الطاقة النظيفة، إلا أنه ينتج مجموعة من المشاكل للساكنة، على رأسها الضجيج اليومي وما يخلف من فقدان التوازن الطبيعي للمجال، فهذه الأصوات لا يمكن أن يتعايش معها وحيش المنطقة مما يودي إلى هجرته وخاصة الطيور. كما يحد هذا المشروع أيضا استقرار الساكنة وتوسعها  على المجال، وقد تضطر للرحيل بعيدا عن ضوضاء هذه المروحيات. مما يستدعي النظر في مثل هذه المشاريع والتخطيط لها بالشكل الذي تخدم معه الطرفين، الساكنة والمستثمر. لنكون أمام الاقتصاد الاجتماعي القائم على أساس التنمية الاجتماعية للأفراد والجماعات، يعتمد على مبدأ التعاضد والتعاون والشفافية والمصلحة. عكس أن نكون أمام الاقتصاد الفردي القائم على المصلحة الخاصة.  هذه الأخيرة هي التي تم الاعتماد عليها في هذا المشروع بحيث أن الجماعة لا تستفيد إلا من الضجيج فقط.
زد على ذلك حزمة من المعيقات التي تعاني منها الجماعة على مستوى التعليم، والصحة، وكذا ندرة المياه  ببعض النقط رغم ما تستقبله من تساقطات هامة، إضافة إلى ذلك العزلة بين مداشر الجماعة. لذا يجب أن توجه هذه المشاريع لخدمة الساكنة ولأجل الساكنة، وأن تساهم في إنشاء الخصاص الذي تعاني منه الجماعة على جميع المستويات، لا أن تكون مشاريع تخدم مصالح بعيدة عن المكان الذي تستقر به.
4-             مدينة الشرفات، ملجأ لعمل المشاريع الكبرى بجهة طنجة تطوان.
شكل تدبير المجال مسألة حساسة بالمغرب، على الدوام، واستنادا إلى التوجيهات الموروثة، غداة الاستقلال فقد تحدد تدبير المجال الوطني والمجالات المحلية من خلال هدف مزدوج الاتجاه، يرمي اتجاهه الأول إلى تقوية نسيج التراب الوطني، بوصفه شرطا لتنميته، ولتأكيد وحدته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما اتجاهه الثاني فيتمثل في التمكن من أدارته ومراقبته السياسية والاجتماعية، بالشكل التي تؤطر به النخب المحلية والموارد والسكان.
وكما هو الشأن بالنسبة لحماية وتثمين الإمكان الطبيعي الوطني، أو فيما يتعلق بمجهود تجهيز البلاد، فإن حكامة المجال بمفهومها الراهن، لم تدرج، إلا بشكل متأخر في إطار منطق إعداد التراب، ذلك المنطق الذي يجب أن يظل مستحضرا على الدوام لضرورة ضمان التوازنات المجالية، والتنافسية الترابية وتناسق البرامج التنموية. ومن بين هذه الإعدادات التي قامت بها الدولة المغربية نجد استراتيجية المدن الجديدة "كجيل جديد من المشاريع العمرانية الكبرى التي هم موضوعها العديد من الخبراء والمختصين، بل أصبحت أيضا موضوع نقاش العموم عبر مقالات صحفية وموائد مستديرة، حيث يتساءل البعض عن مآل هذه المدن الجديدة ومدى استجابتها لحاجيات الساكنة خاصة اندماجهم الفعلي في نمط عيش حضري، كما كثر الحديث عن التأخر الذي تعرفه وعن العزلة يعيش فيها السكان وعن قلة توفر النقل والتمدرس وضعف التجهيزات العمومية ومناطق الأنشطة الاقتصادية، واعتبرها الكثير مجرد تجمعات يغلب عليها الطابع السكني، مفتقدة لمؤشرات الحياة الحضرية، وخلص البعض إلى القول بأن سياسة المدن الجديدة آلت إلى الإخفاق.
كل هذه المشاكل التي تعيشها المدن الجديدة، إلا أن هناك بوادر إيجابية على عدة مستويات من خلال تكثيف وتنويع العرض السكني ونوعية التجهيزات المعدة لتقريب المصالح من المواطنين وكذا المجهودات المبذولة لإدماج الأبعاد البيئية ومتطلبات التنمية الحضرية. وهذه كلها مؤشرات بأن الجميع بدأ يعي بأهمية هذا الورش وبدأ في الانخراط. لكن السؤال المطروح سيتوقف عن مدى أمل نجاح هذه التجربة الجديدة؟ وللإجابة على السؤال سنتطرق إلى نموذج من المدن الجديدة التي تم الشروع بها بالمغرب والتي تتمثل في مدينة الشرفات ضاحية مدينة طنجة. ومحاولة إبراز مؤهلاتها وآفاقها في ظل المشاريع الكبرى التي تحوم حولها.
4-1 مدينة الشرافات مشروع جديد للدولة المغربية  في المناطق الشمالية مآله ضمن المشاريع الكبرى.
إن الموقع الاستراتيجي لجهة طنجة تطوان المهم على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي، فضلا عن وجود مجموعة من المقومات والمؤهلات في مختلف الميادين، ساعد الجهة على تفعيل وبلورة عدد مهم من الأوراش الكبرى التي شكلت القاطرة التنموية لهذه الجهة، وقد تعزز هذا بميلاد عدة مشاريع هيكلية ولاسيما التي تفضل الملك محمد السادس بإعطاء انطلاقاتها كمركب ميناء طنجة المتوسطي، والمناطق الحرة والصناعية وشبكة المواصلات الحديثة (طريق السيار، والطريق المداري المتوسطي، وشبكة السكك الحديدية)، والمشاريع السياحية وعمليات تأهيل البنية التحتية بالمراكز الحضرية والقروية وكذا حقول الطاقة الريحية التي تعتبر الأكبر من نوعها بالقارة الإفريقية. [3]
هذه الأوراش والمشاريع الكبرى ساهمت في استقطاب عدد مهم من الساكنة من مختلف جهات المغرب، مما أدى إلى تكدس سكاني بالمدن خاصة مدينة طنجة وتطوان وغيرها، وأمام بعد المشاريع عن مقر السكن، إضافة إلى تكلفة التنقل المرتفعة في تنقل العمال من مكان العمل إلى السكن، لجأت الدولة المغربية إلى خلق مدينة جديدة تسمى مدينة الشرافات تتوسط هذه المشاريع بغية تقريب المسافة بين المسكن ومكان العمل، وتوفير الوقت وكذا تخفيض تكلفة تنقل العمل، هذا إضافة إلى تخفيض الضغط على مدينة طنجة.
مدينة الشرافات التي أعطيت انطلاقة تشيدها سنة 2009 على يد الملك محمد السادس، تندرج ضمن مسلسل التنمية العمرانية وفق منظومة متكاملة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، كما تندرج هذه المدينة الجديدة ضمن أهم الخيارات الأساسية للمخططات التوجيهية، وإعداد التراب الوطني، وتصميم التهيئة لجماعتي الجوامعة وملوسة، والجدوى من إنشائها خلق مناطق جديدة لتعمير، وتجنب التكتل والاستغلال المكثف للمجال الساحلي، وتنمية المراكز القروية المجاورة. وتعزيز البنية الإدارية والخدماتية، وتوفير مناصب الشغل، كما ستساهم في تشجيع الإنعاش العقاري مع تنويع العرض السكني لتلبية الحاجيات السكنية المرتبطة أساسا بالميناء المتوسطي والمناطق الصناعية الحرة، وبالتالي الوقاية من انتشار السكن غير المنظم وتوازن السوق العقاري.  
4-1-1 موقع مدينة الشرفات ضمن المشاريع الكبرى لجهة طنجة تطوان.
تقع مدينة الشرافات التي تعتبر الحاضرة المستقبلة الوحيدة لعمال فحص أنجرة، على موقع استراتيجي عند تقاطع مجالات الأقطاب الحضرية المهمة بشمال المملكة، على ممر طبيعي منبسط الفضاء على جانبي الطريق الوطنية رقم 2 الرابطة بين مدينتي طنجة وتطوان، هذا المجال الحضري يستفيد من الشبكات الطرقية والسكك الحديدية والمطارات القريبة منها، تقدر مساحتها بحوالي 770 هكتار، وهي عبارة عن أراضي محفظة وأراضي جماعية بالإضافة إلى أراضي المياه والغابات هذا ما جعل بنيتها العقارية صعبة جدا في الاستغلال، كما تلعب الطبوغرافيتها دور هام في تطور المدينة مستقبلا، فالأراضي المنبسطة إلى جانب بعض الانحدارات  جعلها مناطق ممنوعة من التعمير للحفاظ على مجاريها المائية، التي ساهمت في إنشاء مناطق خضراء شاسعة مجاورة لهذه الأخيرة، هذا إضافة إلى المناطق الصناعية تشمل المحطة الكهربائية وممر التيارات، وأراضي مفتوحة لتعمير مشرفة على المناطق الخضراء، هذا ما قدم في الأخير صورة لمدينة خضراء تندمج في محيطها البيئي والاجتماعي ومنفتحة على الطبيعية، تعكس التجانس المندمج للتطور الحضري وتحسين الحياة الاجتماعية. [4]
4-1-2 التخطيط المندمج لمدينة الشرفات أفرز عدة مرافق متعددة لجلب الساكنة.
يعرف التخطيط بأنه عبارة عن عملية اتخاذ قرارات مترابطة في إطار متسق لحل مشكلة أو مجموعة من المشاكل على ضوء مجموعة من الأهداف المحددة في فترة زمنية لاحقة، فالتخطيط هو جهد واع ونشاط منظم يتم في إطاره نظرة شاملة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عن طريق هيئة مركزية بغرض التأثير في الأحداث الاقتصادية والاجتماعية وتوجيهها أو التحكم فيها لتحقيق أهداف متناسقة بوسائل ملائمة. وجوهر عملية التخطيط هو نظرة مستقبلية للاختيار والمفاضلة بين البدائل المختلفة والتوصل إلى خيارات يتسم كل منها بلإتساق. بحيث يجب أن يكون هذا التخطيط موزعا ما بين السكن والصناعة والتجارة  ومسطحات خضراء، وشبكات طرقية بدراجاتها ومستوياتها وأحجامها حاليا ومتقبلا داخل المدينة وخارجها، إلى جانب التخطيط لمختلف الخدمات العامة والخاصة (مستشفيات، مدارس، جامعات، معاهد، مساجد....)، مراعية أحجام السكان ومعدلات نموهم، إلى جانب تحديد الامتداد المستقبلي للمدينة.[5]
وعلى هذا الأساس تم التخطيط لمدينة الشرفات لكون بمواصفات المدن الشمالية، ذات هندسة معمارية للنسق المعماري بشمال المغرب وحوض البحر الأبيض المتوسط على مستوى الشكل والألوان ومواد البناء، هذا إضافة إلى احتضانها نواة جامعية للبحث العلمي تخدم مختلف الصناعات والمرافق الإدارية التي تتوطن المجال، وكذا توفرها على منطقة صناعية تضم الأنشطة الإضافية للمرافق الميناء المتوسطي والمرافق الصناعية الأخرى، هذا إضافة إلى المباني التي ستكون مخصصة للسكن الاجتماعي.
كما تم إدراج في تخطيط المدينة كل الحاجيات الضرورية لها من قبيل المياه، فتم إنشاء كل من سد أبريل و سد ابن بطوطة لتزويد المدينة الجديدة بالماء وكذا تزويد مدينة طنجة والمركبات الصناعية المجاورة لهما بالماء. أما فيما يخص التخطيط الحالي للمدينة والذي يمتد على مساحة 769 هكتار، سيضم حوالي 30.000 وحدة سكنية، قابلة لإستعاب ما يناهز 150.000 نسمة، كما سيتم خصم حوالي 173 هكتار من المساحة الإجمالية التي تندرج ضمن الشطر الأول، إلى إنشاء السكن الاجتماعي و مركبات متعددة منها ما هو صناعي وتجاري وخدماتي، هذه العملية تتكلف بها شركة العمران مقابل 2.35 مليار درهم لإنشاء 6.000 وحدة سكنية، كما سيكون البناء الذاتي حاضرا أيضا وتم تخصيص له حوالي 10.100 وحدة سكنية، هذا إضافة إلى برامج الشركات بحوالي 14.300 وحدة سكنية،[6] أما الشطر الثاني سيوجه إلى المنطقة الصناعية الموجهة إلى الصناعات الخفيفة. هذا ويرتقب مستقبلا أن تصل مساحة هذه المدينة إلى ما يناهز 1300 هكتار.
5-   مصنع رونو نصان وميناء طنجة المتوسطي مشاريع ضخمة ساهمت في تنمية المدن الشمالية وعلى رأسها مدينة الشرافات المدينة الجديدة.
مما لاشك فيه أن جل المشاريع الكبرى تساهم في تنمية المجالات الحضرية وكذا القروية التي تتوطن بها أو القريبة منها، إذ تخلق مناصب للشغل لمختلف الجنسين والأعمار، كما تساهم في إنعاش العقارات بالمجال، كما تعمل هذه المشاريع على تحريك الدولة من أجل وضع مخططات مندمجة لهذه المجالات من أجل التحكم في المجال حاليا ومستقبلا، ومن جهة أخرى هذه المشاريع لن تخلوا من مجموعة من المشاكل، من قبيل التلوث، واستنزاف الموارد المائية، كما أنها مشاريع تقام على حساب مجالات طبيعية ومناظر طبيعية، مما يؤدي إلى تقلصها وفقدانها لوحيشها ومنظومتها الإيكولوجية بصفة عامة. وبهذا تكون الدولة لا تعير للمجالات الطبيعية أي اهتمام، وما تهتم به هو التحسن اقتصاديا حتى ولو كان ذلك على حساب سكانها. لكن رغم هذه الإكراهات إلا أن الدولة تحاول في جل تخطيط لمثل هذه المشاريع أن يكون نفعها أكثر من ضررها على السكان والبيئة، وتحاول جاهدتا التخفيف من الأضرار بخلق محطات لمختلف النفايات، وقوانين تهم البيئة والمحافظة عليها، وهذا ما جعلها مشاريع تنموية كبرى تراعي جميع الشروط البيئية والسكنية والسكانية للمجال المقام فوقه.
5-1 حالة مصنع رونو نيصان Renault-Nissan.  
تأسست هذه الشركة سنة 1899 على يد لويس رونو، يقع المقر الرئيسي لها في ضاحية بولون بيلنكورت غرب باريس، ويرأسها حاليا كارلوس عصن، ففي عام 1999 شكلت تحالف مع شركة نيسان موتورز ، من أنجح سياراتها التي صنعتها رونو إلى الآن هي رينوا كليو. وأول سيارة لرونو كانت ((voiturette 1CV سنة 1898. وقد تطورت هذه الشركة إلى أن أصبحت من الشركات الكبرى التي تستثمر في مختلف بقاع العالم، وعلى رأسها المغرب.
المصنع رونو نيسان طنجة، من المشاريع التي أعطيت انطلاقتها على يد محمد السادس سنة 2012، ويهم تركيب السيارات، لكنه تطور إلى مشروع يهتم بتصنيع جميع هياكل السيارات ما عدى المحركات. يمتد هذا المصنع الذي يوجد على بعد بضع كيلومترات عن الميناء المتوسطي وكذا قربه من مدينة طنجة وأقرب بشكل كبير إلى المدينة الجديدة الشرافات. على مساحة 300 هكتار مع 22 ألف متر مربع من المباني التي شيدت خلال المرحلة الأولى، و 120 ألف متر مربع تم إنشاءها سنة 2013، هذا المشروع الضخم سيوفر حوالي 6.000 منصب شغل مباشر وحوالي 30.000 منصب شغل غير مباشر، كما سينتج حوالي 150 ألف وحدة سنويا، منها ما يقارب 90% من مجموع السيارات ستوجه إلى التصدير، و 10% ستوجه إلى التسويق في شمال إفريقيا وجنوبها. مع العلم أن عدد السيارات سيزداد في الإرتفاع وقد يصل إلى 340 ألف وحدة مستقبلا.
ومن الأمور التي يحرص عليها المصنع هو جودة المنتوج، وإنتاج عدد من السيارات سنويا، هذه مع ربط عماله بمدرسة التكنولوجيا من أجل تطوير خبراتهم في التصنيع، هذا بالإضافة إلى الاعتماد على المختبرات لرفع جودة منتجاتها. كل هذا جعل هذا المشروع يحقق قفزة مهمة في الأسواق المغربية والعالمية، وارتفاع عدد مبيعاتها على المستوى الوطني والدولي. كما ساهم أيضا المشروع في تنمية المدن المجاورة له بخلق فرص للشغل مهمة لساكنة طنجة ومحيطها، كما ساهم أيضا في تنمية المدينة الجديدة وإعطائها حركية قوية في جل مستوياتها الاقتصادية.
هذا بالإضافة إلا أن المصنع تم تزويده بالمسالك الطرقة اللازمة والسكك الحديدية التي تنطلق منه وتتجه مباشرة إلى الميناء المتوسطي لتصدير السيارات.
5-2 حالة ميناء طنجة المتوسطي إغناء لظهيره الخلفي.
أنشأ ميناء طنجة المتوسطي سنة 2004، وتم تدشينه سنة 2007 من طرف محمد السادس، فهذا المشروع غير بصفة كاملة المنظومة المجالية القديمة، وأعطى للمجال قيمته على خلاف ما كان عليه في السابق. وهو مشروع ذو طابع إمارتي محض وتمويل أيضا إمارتي.
يمتد هذا المشروع على مساحة تقدر بحوالي 400 هكتار تتوزع على الشكل التالي:
2.5 كلم مخصصة لرصيف.
30 هكتار مخصصة لتصدير السيارات، تسمح باحتضان حوالي 770 ألف سيارة.
40 هكتار مخصصة للمنطقة الوجيستيكية.
هذا إضافة  إلى توفره على محطة خاصة للصناعة، ومحطة لتخزين الحبوب، وأخرى لتخزين البنزين ( الوقود) ، وكذا مساحة المخصص للحاويات تسع حمل 7 ملايين حاوية في انتظار رفع عدد الحاويات إلى 12 مليون حاوية، تحتضن الميناء أيضا ميناء السافرين الذي تم تحوله من طنجة إلى ميناء طنجة المتوسطي. ومناطق خاصة للإدارات التابعة للميناء.
ويعتبر هذا الميناء ممرا إجباريا للسفن القادمة سواء من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يستقطب سنويا 5000 سفينة، وهذا ما جعله يكتسي أهمية بالغة في شمال إفريقيا.
 ساهم هذا المشروع الكبير في إنعاش الحركة الملاحية بشمال إفريقيا، وفي تنمية المنطقة خاصة فيما يتعلق بتوفير اليد العاملة (يشغل حوالي 3000 فردا)، هذا إضافة إلى كون الميناء من المشاريع التي كان لها الفضل في ظهور المدينة الجديدة وكذا إنشاء مصنع رونو نيسان، وكذا تنمية مدينة طنجة اقتصاديا، وتوسعها عمرانيا، واستقطابها لعدد كبير من المشاريع التابعة للميناء المتوسطي. وبفضله أيضا تم إنشاء المحطة العسكرية لمراقبة الحدود الداخلية والخارجية للبلاد. وإنشاء سد واد الرمل ما بين سنتي 2008 و 2009  لتزويد الميناء بالمياه الضرورية، هذا السد يسع لحمل ما مقداره 16 المليون متر مكعب. كما تم إنشاء محطات لمعالجة المياه العديمة في خليج طنجة، وطهور مناطق صناعية حرة كالمنطقة الصناعية ملوسة و منطقة Tanger Free Zone، والمنطقة الصناعية كزناية التي كانت لها الفضل في تطور مدينة طنجة وانفتاحها على مجالاتها المجاورة التي كانت مجالات فلاحية في غالبها. 
6-             المنطقة الصناعية الحرة لمدينة طنجة مركب بمواصفات عالية.
تعد مدينة طنجة من المدن المحظوظة، وذلك بفعل موقعها الاستراتيجي المتمثل في انفتاحها على واجهتين بحريتين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وكذا انفتاحها على الدول الأوروبية التي تبعد عنها ببضع كيلومترات، هذا إضافة إلى مؤهلاتها البشرية والطبيعية، والبنيات التحتية زد على ذلك مزايا النظام الضريبي التي تتمتع به مدينة طنجة، والمتمثل في أنه نعفي من 50% من الضرائب.  كلها عوامل ساهمت في استقطاب هذه المدينة عدد مهم من المشاريع من قبل ميناء طنجة المتوسطي، وما تتبعه من مشاريع من قبيل المناطق الحرة، التي يقصد بها ذلك المجال الجغرافي  المحدد والمقنن لاحتضان عدة أنشطة اقتصادية صناعية كانت أو تجارية أو خدماتية، مرتبطة بتشريعات قانونية مخالفة للقوانين الوطنية، إذ تستفيد من نظام ضريبي جمركي متميز من أجل تشجيع الاستثمارات الأجنبية.
ونظرا لأهمية المجالات الحرة، اتجه المغرب نحو إنشاء مجموعة من المناطق الحرة في شمال المغرب، على رأسها المنطقة الحرة Tanger Free Zone و المنطقة الحرة ملوسة وكزناية.
بالنسبة للمنطقة الصناعية Tanger Free Zone، والتي تقع بالقرب من المنطقة الصناعية كزناية، تمتد على مساحة تقدر ب 345 هكتار، تم خلقها سنة 1999، أسست هي الأخرى من طرف شركة TFZ وهي مجموعة من الشركات الخاصة. وتعد شركة المنطقة الحرة طنجة هي المسؤولة عن تخطيط وإدارة وصيانة جميع المنطقة الحرة للتصدير بطنجة، وفقا للقانون رقم 19-94 المتعلق بمناطق تجهيز الصادرات، كما تستفيد هذه المنطقة من ضرائب الصادرات المهمة والتي تصل سنويا إلى 10 ملايير درهم في السنة. ومن ناحية أخرى تتخذ نظاما خاصا بها في التعامل مع الشركات المستثمرة، وذلك إما بكراء شقق لهذه الأخيرة، أم عن طريق كراء الأرض وتجهيزها من قبيل الشركة المستثمرة، هذا إضافة إلى الأراضي الرخيصة بمدينة طنجة وامتيازاتها الضريبة، وعلى إثر ذلك  قامت هذه الشركة بامتلاك الأراضي اللازمة لإنشاء هذا المشروع من أجل خلق تنمية متكاملة بالمجال.
تتوفر المنطقة الحرة على منطقتين رئيسيتين، أولها المنطقة الصناعية: وتبلغ مساحتها 269 هكتار وتثمل وحدات صناعية تبلغ مساحتها مابين 500 متر مربع و 20.000 متر مربع، إضافة إلى مركز للتخزين وآخر للتدبير ومرافق تابعة. والثانية المنطقة الوجيستيكية التي تبلغ مساحتها 76 هكتار تشمل هي الأخرى مركز استقبال شاحنات النقل الدولي، والتي يمكنها استقبال حوالي 900 شاحنة ومقطورة. ومحطة لتزود بالبنزين وورشة لإصلاحات الميكانيكية.
هذا إضافة إلى أن هذه المنطقة تتوفر على 600 شركة ذات مجالات مختلفة( شركة السيارات، الطائرات، النسيج، ...)، وفرت الشغل لأزيد من 40.000 عامل. هذه الشركات من أصول مختلفة منها الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، أسيا وغيرها من الدول، هذه المنطقة وصلت حاليا نقطة التشبع، هذا ما جعل المستثمرين التفكير في إنشاء مناطق صناعية أخرى بالمجال.
الجدول رقم 1: توزيع القطاعات بالمنطقة الصناعية Tanger Free Zone .
حجم الاستثمار بمليون درهم
عدد الوحدات
القطاعات
957
94
قطاع الخدمات
703
56
الجليد والنسيج
1,3 مليار
50
الصناعات الميكانيكية والمعدنية والكهربائية والاليكترونية
223
26
الصناعات الكيماوية
66
8
الصناعات الغذائية
كل هذا جعل هذه المنطقة الحرة لطنجة احتلت المرتبة الثانية من بين المناطق الاقتصادية العالمية المرتبطة بالموانئ، والمرتبة الثالثة من بين المناطق الاقتصادية المرتبطة بالمطارات، فيما جاءت في المرتبة الثامنة، من حيث التسهيلات التي توفرها إدارات المناطق الاقتصادية للمقاولات
أما المنطقة الصناعية كزناية تتوطن خارج المجال الحضري لطنجة وهي منطقة حديثة التشييد، تضم عدد مهم من الشركات والوحدات الصناعية الخاصة بصناعة السيارات والنسيج والإعلام، وهي بمثابة القلب النابض لطنجة في المجال الصناعي، تبعد عن مدينة طنجة بحوالي 15 كلم جنوبا، وتمتد على مساحة إجمالية تقدر ب 129 هكتار، تم انجازها سنة 1996 بغلاف مالي وصل  إلى 490 مليون درهم، كما تسهر على هذه المنطقة شركة MEDZ-CDG، تتكلف بدراسة التهيئة لهذه المنطقة من خلال تصميم الهيكلة والدراسة للتجزئة والدراسات القبلية للبنية التحتية الطرقية والتطهيرية، كما اهتمت بأشغال الطبوغرافية والتجهيزات. هذه المنطقة الصناعية تظم 1299 وحدة الشكل رقم 2، وتقسم الوحدات الصناعية على 463 وحدة (الجدول رقم 2). هذه الوحدات خلقت ما يقارب 35.000 منصب شغل لشباب مدينة طنجة ومختلف المدن المغربية. [8]
الجدول رقم 2: توزيع القطاعات الصناعية بالمنطقة الصناعية كزناية سنة 2010.
عدد العمال
عدد الوحدات
القطاعات
14780
248
صناعة النسيج والجليد
3563
47
الصناعة الغذائية
712
9
صناعة الخشب
1170
14
صناعة الصباغة
996
11
صناعة مواد البناء
2432
28
صناعة حديدية وميكانيكية
3795
48
صناعة كهربائية وإليكترونية
3229
30
صناعة كيماوية
1296
18
صناعة الإشهار
2026
10
صناعات متنوعة
33999
463
المجموع
المصدر: غرفة الصناعة والتجارة بطنجة سنة 2010، أورد في، عرض تحت عنوان " المناطق الصناعية الحرة بالمغرب، نموذج مدينة طنجة" من إنجاز الطالبين زوهير ياسين و امبارك عبد الكريم 2013-2014، جامعة عبد المالك السعدي، ص 17.
خلاصة القول، فإن المجالات الساحلية المغربية، أصبحت مجالات جدب لعدد من الاستثمارات المغربية والأجنبية، نظرا لموقعها المتميز، وعلى رأس هذه المجالات الساحلية مضيق جبل طارق الذي أصبح اليوم في أنظار العديد من المستثمرين من مختلف بلدان العالم، فاحتضانه لميناء طنجة المتوسط التي تبعته عدة مناطق صناعية حرة أهله ليصبح مجالا واسعا لمختلف هذه الصناعات، واحتضانه أيضا لمخططات كبيرة تراعي شروط البيئة، محاولة تطبيق قانون الساحل 81-12 الذي يحدد المبادئ والقواعد الأساسية لتدبير مندمج ومستدام للساحل قصد حمايته وتثمينه، كما يهدف إلى:
-         المحافظة على توازن الأنظمة البيئية الساحلية وعلى التنوع البيولوجي وحماية المورث الطبيعي والثقافي والمواقع التاريخية والايكولوجية والمناظر الطبيعية.
-         الوقاية من تلوث وتدهور الساحل ومحاربتها والتقليص منها، وضمان وإعادة تأهيل المناطق والمواقع الملوثة أو المتدهورة.
-         تطوير المؤهلات الاقتصادية للساحل من خلال تدبير مندمج للمناطق الساحلية.[9]
ومن أجل المحافظة على هذه المناطق تم إنشاء مجموعة من البرامج خاصة المتعلقة بالبيئة ومنها.
-         البرنامج الوطني للتطهير السائل ومعالجة مياه الصرف الصحي (PNA). على إثر هذا البرنامج تم إنشاء عدة محطات لمعالجة المياه العديمة بمواصفات عالمية في عدة مدن مغربية وعلى رأسها مدينة طنجة موضوع الدراسة
-         البرنامج الوطني للنفايات المنزلية (PNDM)  الذي أطلق سنة 2007 بشراكة ما بين وزارة الداخلية والوزارة المكلفة بالبيئة، ومن خلاله تم إنشاء 16 مطرح مراقب موزعة على مدن المغرب، كما تم تأهيل 24 مطرح غير مراقب، هذا إضافة إلى التخطيط لعدد من المطارح الأخرى المراقبة منها وغير المراقبة. [10]


خاتمة عامة.
تشهد جهة طنجة تطوان حاليا، حراكا تنمويا هاما، يبدوا جليا من خلال المشاريع التنموية وعلى رأسها المشاريع الكبرى التي تحدثنا عليها سالفا، فموقعها الاستراتيجي جعلها تستقل هذه المشاريع الكبرى، والتي ساهمت في تنمية المجال اقتصاديا واجتماعيا،  مع محاولتها الحفاظ على إمكانها الطبيعي وموروثها الثقافي وكذا مراعاتها لسلامة مجالها الساحلي والحفاظ عليه من كل التدخلات التي قد تخل به وبمنظومته الإيكولوجية.
وبناءا على أخد بعين الاعتبار أولويات العنصر البشري، ومحاولة تحسين مستواه المعيشي بجهة طنجة تطوان كان من اللازم عليها، استقطاب عدة مشاريع، وبهذا لجأت إلى إنشاء مجموعة من المناطق الصناعية الحرة لتوفير الشغل للساكنة، وكذا تنمية المجال اقتصاديا، ومسايرته لتطورات الحديثة التي أصبح العالم يشهدها على مستوى التصنيع.
لكن رغم كل ما قامت به الدولة في محاولة تنمية المناطق الشمالية، إلا أن عدد من الإكراهات لازالت تعرقل هذا المسار التنموي مما يستدي المزيد من التدخلات على هذا المستوى لمحاربة والتقليص من هذه الإكراهات على رأسها جميع أشكل التلوث بهذه المناطق الناتج عن الصناعات المختلفة بالمجال الشمالي.
وعموما فالمناطق الشمالية أصبحت اليوم من أفضل المناطق المغربية تنميتا وتطورا وتخطيطا للمشاريع الكبرى، وأصبحت مجالات جدب لاستثمارات أجنبية هائلة في مختلف المجالات. ويرتقب أن تصبح في المستقبل ميتروبول مغربي ضخم يضم جميع الصناعات العالمية.


الفهرسة
مقدمة:
1-                مضيق جبل طارق، الموقع، والمؤهلات الطبيعية والبشرية.
2-                 المنطقة الصناعية لضاحية مدينة تطوان: مشروع في طور الإنجاز أفرزه المشروع الكبير للميناء المتوسطي.
3-                 جماعة عن الحصن: بين الحفاظ على مواردها الطبيعية واحتضان استثمارات أجنبية.
4-             مدينة الشرفات، ملجأ لعمل المشاريع الكبرى بجهة طنجة تطوان.
4-1 مدينة الشرافات مشروع جديد للدولة المغربية  في المناطق الشمالية مآله ضمن المشاريع الكبرى.
4-1-1 موقع مدينة الشرفات ضمن المشاريع الكبرى لجهة طنجة تطوان.
4-1-2 التخطيط المندمج لمدينة الشرفات أفرز عدة مرافق متعددة لجلب الساكنة.
5-   مصنع رونو نصان وميناء طنجة المتوسطي مشاريع ضخمة ساهمت في تنمية المدن الشمالية وعلى رأسها مدينة الشرافات المدينة الجديدة.
5-1 حالة مصنع رونو نيصان Renault-Nissan
5-2 حالة ميناء طنجة المتوسطي إغناء لظهيره الخلفي.
6-             المنطقة الصناعية الحرة لمدينة طنجة مركب بمواصفات عالية.
خاتمة عامة.




    





[1] - هذه الكمية المنتجة من المروحيات  يمكن أن تضيء مدينة تطوان بالكامل. لكن من يستفيد منها هما المستثمرين، الذين يبحثون عن الطاقة النظيفة، وتظل الجماعة تعاني من ضوضائها ليس إلا..
[3] - وزارة الإسكان والتجهيز والتنمية المجالية، و ومجموعة العمران، 2011، "المدن الجديدة: جيل جديد من المشاريع العمرانية الكبرى". ص 80.
[4] - وزارة الإسكان والتجهيز والتنمية المجالية، و ومجموعة العمران، 2011، مرجع سابق، ص 82.
[5] - إبراهيم محمود (نجوى)، 2007، "صنع القرار والدور التنموي للمدن الجديدة"، ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر صنع القرار في مجال التنمية في مصر، شركة التنمية للبحوث والاستشارات والتدريب، مصر، ص 4.
[6] - وزارة الإسكان والتجهيز والتنمية المجالية، و ومجموعة العمران، 2011، مرجع سابق،ص 84.
[8] - المصدر: غرفة الصناعة والتجارة بطنجة سنة 2010، أورد في، عرض تحت عنوان " المناطق الصناعية الحرة بالمغرب، نموذج مدينة طنجة" من إنجاز الطالبين زوهير ياسين و امبارك عبد الكريم 2013-2014، جامعة عبد المالك السعدي، ص 16 و 17 (بتصرف).

[9] - التقرير الوطني 2014-2015، "مراقبة جودة مياه الشواطئ"، الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالبيئة، وزارة التجهيز والنقل واللوحيستيك، ص 23.
[10] - التقرير الوطني 2014-2015، مرجع سابق، ص 25. 


Commentaires