المقالات والمحتويات

قصص قصيرة

الجبل، مكون واحد بدلالات ومعايير متشعبة.


الجبل، مكون واحد بدلالات ومعايير متشعبة.
يكتسي الجبل أهمية بالغة في العلوم الانسانية، وذلك كون الجبال تشغل 20%  من مساحة اليابس، ويرتبط بها 10% من سكان المعمور، وأزيد من 50 % منهم يعيشون من الموارد التي تتيحها الجبال، كما تتميز الجبال بنوع من التهميش والهشاشة، وهذا ما جعلها تحظى باهتمام الباحثين في مختل العلوم، لكن هذا لا يعني أن هناك تعريف موحد ومتفق عليه بين الباحثين، بل هناك نقاش ابيسمولوجي حوله.[1] وما عسر من الوصول إلى تحديد الجبل في مدلول واحد هو وجود الجغرافية الطبيعية التي ترتكز على المعايير الطبيعية للإعطاء تعريف للجبل، ووجود جغرافية الأرياف التي تعتمد على معايير بشرية لتعريف الجبل، كل هذا وذاك جعل مفهوم الجبل يأخذ تعريفات متعددة تضع الباحث الجغرافي في حيرة من أمره حول المفهوم الصائب لهذه الوحدة التضاريسية المهمة في تحقيق التوازن البيئي وذات تاريخ شامخ وحافل بالأحداث. فكان الجبل رمزا للرعب، حيث يمثل حاجزا طبيعيا ووكرا لكل أنواع المتاعب، استمرت هذه النظرية حتى مشارف العصر الحديث، أي حتى أخد العديد من العلماء على عاتقهم مهمة استكشافه والبحث في كيفيات استغلاله وتهيئته والمحافظة عليه كمصدر للثروة وفضاء للتوطن والسياحة.[2]
ويعد القرن 18 من أهم القرون التي شكلت فيها المواضيع الجبلية أهمية كبيرة لذا الباحثين، وبدأت تسعى إلى الحفاظ على هذا المكون المجالي، من خلال تنميته، والحفاظ على موارده الغابوية والحيوانية، وكذا السعي إلى توعية سكان الجبال المغربية ومساعدتهم من أجل الاستقرار في الجبال، لكن هذا التدخل المحتشم لهذا المكون لم يظهر إلى في القرن 20، أي حتى تم القضاء على الجبل وموارده الطبيعية والبشرية، وأصبح مكون هش يصعب معالجته في الوقت الحالي. بعدما كان مجال ذو أهمية بالغة لذا الساكنة الجبلية. ويؤكد هذه الأهمية السعيد بوجروف " يرى دافيد بالركاين": " أن الجبال يمكن أن تكون أماكن مقدسة وبذلك تكون جد محمية من الضغوط البشرية. وتعتبر آخر أماكن انكفاء المضطهدين[...] وفي كل الأحوال فإن الجبال أماكن متفردة ومنفصلة عن الديناميات المجتمعية المسيطرة"[3]
1 مفهوم الجبل في القواميس العربية.
 جاء في معجم الرائد مفهوم مرادف الجبل على أنه " ما ارتفع من الأرض وطال"[4] ، وفي المعجم الوسيط " الجبل: ما علا من سطح الأرض واستطال وجاوز التل ارتفاعا، جمع أجبل وجبال، وأجبال. ويقال فلان جبل، أي ثابت لا يتزحزح"[5] ، أما في معجم المصطلحات الجغرافية " فالجبل قسم ناتئ أو بارز من القشرة الأرضية مرتفع غالبا (عدة مئات من الأمتار فوق قاعدته الأساسية)، له سفوح منحدرة ويمتد على ساحات واسعة (عدة كيلومترات مربع على الأقل)" [6]. بالنظر إلى هذه التعاريف المعجمية، نجد أنها غامضة من حيث التحديد بشكل دقيق لمفهوم الجبل وحدوده، لذا سيكون من اللازم إعطاء مجموعة من التعاريف لسلة من الباحثين الجغرافيين وتقديم باكورة أعمالهم، لكي نرفع اللبس عن هذا المفهوم المتشعب ومحاولة تحديد أوجه تقاطعهم واختلافهم فيما يخص هذا المكون المجالي الها


2_ الدلالة الجغرافية لمفهوم الجبل: مكون واحد وتحديدات عدة. 
يرتكز العديد ممن يعرف مصطلح الجبل على النظرة المادية الصرفة بفعل استعمال مقاربات ومناهج قادمة أصلا من العلوم الفزيائية، ومن تم فالجبال تعتبر حقيقة مادية وموضوعية، ولكن مفهوم الجبل يمكن أن يكون، من بين ما يمكنه أن يكون، عبارة عن تمثلات اجتماعية ذهنية وتجريدية في ارتباط وطيد بالواقع والتي لا يمكن فهمها دون العودة إلى الإطارات الأيديولوجية التي أنتجتها، وفي هذا الصدد نكون أمام مفاجئات غير سارة عند وضع تحديد قطعي لعناه. وما يعمق من هذا التحديد هو احتلال المجالات الجبلية حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين بشتى تخصصاتهم التي مست جل الجوانب الطبيعية والبشرية الدقيقة منها أو العامة، كما أن تباين المجالات الجبلية عجل من العسير الوصول في الدراسات والبحوث التي تهم المناطق الجبلية إلى اعتماد مقاربات موحدة أو متقاربة.[7] مما جعل العديد من الباحثين وضع مجموعة من التساؤلات حول صعوبة تحديد الجبل، ومن هذه التساؤلات نجد سؤال بيرنارد دو بارييو " كيف يمكن تصور السمات أو الخصوصيات المتفردة لجبل معين والخصوصيات المشتركة للعديد من الجبال أو كلها؟ [...] ألا يمكن تصور الجبل بأهمية ارتفاعاته وبقوة انحداراته وبضخامة كتلته الطبوغرافية على أنه مختبر تجريبي طبيعي يمكننا من فهم الكثير من التحولات بهذه المناطق والتي تؤثر بدورها على تحولات أخرى على مستوى المجالات المجاورة؟ أم أنه مختبر بشري يفيد من حيث تجارب سكانه وطرق عيشهم ومعارفهم المرتبطة بالخصوصيات الجبلية في تصور طرق إعداد متأقلم مع هذه المناطق؟"[8]
إن منطلقات الباحثين في الجغرافية الطبيعية جد واضح، باعتبار الجبال وحدة تضاريسية متميزة في غالب الأحيان بتكتلها وتقطعها الطبوغرافي، وبأهمية ارتفاعاتها وفوارقها الرئيسية، وقوة انحداراتها، وتتشكل من مجموعة من العناصر التضاريسية كالقمة والسليل والوادي، وبالتدرج الحراري ( عتبات في الجبال حسب درجة الحرارة)[9]، من القمة أو العالية إلى الدير أو منطقة الربط البيئي، وقدم الجبل أو سافلة الجبل. وسنتطرق إلى كل نوع من العتاب باعتبارها مكونات الجبل الأساسية ومحاولة تبيين الوظيفة الأساسية لكل عتبة على حدة.
·         العالية أو قمة الجبل منطقة استراتيجية لإنتاج الموارد الطبيعية.
يتبين أن المغرب مستبطن لغنى لا محدود على مستوى أوساطه وبيئاته، علما بأن مصدر هذا الغنى يظل كامنا في عالياته الجبلية، التي تمثل نقاط القوة فيه. الضامنة لتوازنه من حيث هو بلد جاف، فالجبال تمثل المحاضن الفعلية للتنوع الإحيائي والبيئي المغربي؛ في ذات الآن الذي تشكل المنبع الرئيسي للموارد الطبيعية.[...] كما يقوم بدور طليعي في إعالة المنظومة المجالية بالموارد الطبيعية. إذ الجبل كالجمل، إذ يزودها بالمياه والتربة والموارد الإحيائية، نباتها ووحيشها، باعثا فيها أسباب الحياة وممدّا لها بمقومات النماء. [10]
·         منطقة الربط البيئي منظومة بيئية محضة.
الربط البيئي: هي عبارة عن مناطق ربط بارزة، تقع بين عاليات منتجة وأسافل مستهلكة، تبدو في غالب الأحيان غير مستفيدة، إذ هي مجرد مناطق عبور للموارد المائية والترابية، المنقولة من العاليات بواسطة دواليب الربط ( المحاور النهرية)، باتجاه الأسافل الكبرى [...] من هنا يتبين أن مناطق الربط البيئي بما هي مكون ثاني، فإنها تنهض بوظيفة حاسمة، تمكن في لعبها دور الوسيط بكفاءات واقتدار، وهي الوظيفة التي أوكلت لها في إطار المنظومة البيئة المغربية، حيث تساهم في خلط شروط التوازن والتكامل.[11]
·         السافلة منطقة استقبال وتسمين.
السافلة هي مجالات وطيئة (سهلية أو هضبية) تقع عند أقدام الجبال، أو على هوامشها القريبة والبعيدة. تبدوا هذه الأسافل كمجالات عديمة الجدوى، غير منتجة لموارد محلية؛ مما يعني أنها بحاجة إلى مزود خارجي، والذي هو الجبل، ذلك أنه يمثل عالية للإنتاج والتزويد، ضامن لتمويل هذه الأسافل بكل حاجياتها من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الماء والتربة والموارد الإحيائية، وبالتالي تعتبر المكون الأكثر استفادة من المكونين الآخرين العاليات ومناطق الربط البيئي. وبهذا فالأسافل مناطق استقبال وتسمين؛ وازدهارها يبقى رهينا بديمومة تدفق الموارد إليها من الجبل/العاليات المنتجة.[12] 
    وأمام هذا الواقع الذي تحظى به الجبال في الكل العلوم، والتي خلقت نقاش ابستيمولوجي حوله، وجب على الباحثين الجغرافيين سواء الطبيعيين والبشريين الخوض في غمار حاد من أجل الوصول إلى جواب شاف ومنطقي لهذا المفهوم.



[1] - لعثماني ( الغازي)، 2013، " مفهوم الجبل ومقاربة المخزن المغربي للجبل" الحوار المتمدن، العدد 4119، محور الطبيعية، التلوث، وحماية البيئة ونشاط حركة الخصر.
[2] - COTE, M. Montagne du Maghreb : Un cas de déterminisme géographique, [ En ligne ].
‹http:www.cafe-géo/cafe2/article.php3?_article=126›.
[3] - بوجروف ( السعيد)، 2006-2007، " الجبال المغربية: أية تهيئة؟"، أطروحة لنيل دكتورة الدولة، تخصص جغرافية التهيئة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة القاضي عياض، مراكش، الجزء الأول، ص 59. 
[4] - جبران (مسعود)، 1996، "معجم الرائد"، الطبعة السابعة، دار العالم للملايين، ص 267.
[5] - شوقي ( ضيف)، 2004ـ، المعجم الوسيط"، الطبعة الرابعة، مكتبة الشرق الدولية، القاهرة، مصر، ص 106. 
[6] - بيار (جورج)، 2002، " معجم المصطلحات الجغرافية"، ترجمة د. حمد الطفيلي، هيثم اللمع، الطبعة الثانية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص 250و251. 
[7] - بوجروف ( السعيد)، 2006-2007،مرجع سابق، ص 55 و 56.
[8] - بوجروف ( السعيد)، 2006-2007، مرجع سابق، ص 56 و 57.
[9] - لعثماني ( الغازي)، 2013، مرجع سابق.
[10] - شحو ( إدريس)، 2011، " التوازنات البيئية الغابوية بالأطلس المتوسط الغربي"، مقاربة صون تنموية لمنطقة أزرو، تم نشر هذا الكتاب بدعم من وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، بخصم من الميزانية المخصصة لبرنامج البحث العلمي والتي يتولى تدبيرها المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، ص 17.
[11] - شحو ( إدريس)، 2011، مرجع سابق، ص 20.
[12] - شحو ( إدريس)، 2011، مرجع سابق، 21.



Commentaires