أليكسيس دي توكفيل
المحاور الأساسية
1 - من هو أليكسيس دي توكفيل
2-ظروف كتاب "الديموقراطية في أميركا".
3-أفكار دي توكفيل وتنبؤاته السياسيّة:
4 - الدراما السياسية في فرنسا
5- المجتمع الديموقراطي الأمريكي
6- تطور الممارسة الديمقراطية بالمجتمع الأمريكي
7- تطبيق مبدأ السيادة على الولايات
8- خلفية وسياق كتاب التجربة الديموقراطية الأمريكية
9-الحرية والديموقراطية عند دي توكفيل
10- عبارات في حق أليكسيس دي توكفيل
11-بعض الانتقادات التي وجهت له
ألكسيس شارل هنري كلِرل دي توكڤيل Alexis-Charles-Henri Clérel de Tocquevill ولد في 29 يوليو، 1805 وتوفي 16 أبريل، 1859. كان مفكرا سياسيا فرنسيا ومؤرخا اشتهر بكتابه الديمقراطية في أمريكا (ظهر في مجلدين: 1835 و1840) إلى جانب النظام القديم والثورة في (1856). في كلا العملين، استكشف تأثير تصاعد المساواة في الظروف الاجتماعية على الفرد والدولة في المجتمعات الغربية.
الديمقراطية في أمريكا (1835)، كان عمله الرئيسي، والذي نشره بعد رحلاته في الولايات المتحدة, يعتبر اليوم من الأعمال المبكرة في علم الاجتماع. كان ممثلا رفيع المستوى للتقليد السياسي الليبرالي، كان توكڤيل مشاركاً فعالاً في السياسة الفرنسية، في البداية في عهد ملكية يوليو (1830-1848) ثم خلال الجمهورية الثانية (1849-1851) التي تلتها حتى ثورة فبراير 1848. اعتزل الحياة السياسية بعد قيام لويس نابوليون بونابرت بانقلاب 2 ديسمبر 1851، ولذلك بدأ العمل في النظام القديم والثورة، الجزء الأول منه انتهى منه قبيل وفاته.
ولد ماكس فيبر في مدينة إرفورت في ألمانيا عام 1864 في وسط عائلي بروتستانتي من الطبقة الثرية. فعائلته كانت كبيرة وتحوي صناعيين مختصين بالنسيج بالإضافة إلى موظفين كبار وأساتذة جامعيين. وكان والده أحد الأعضاء المهمين في الحزب القومي الليبرالي وهو حزب المثقفين والطبقة البورجوازية. وكثيرا ما كان فيبر يرى في بيته شخصيات سياسية وفلسفية كبيرة من أمثال ديلتي ومومسين وسواهما. وبالتالي فقد نشأ في بيت علم وسياسة وفكر. ومنذ شبابه الباكر راح ماكس ويبر يقرأ كبار المفكرين من أمثال ماركس، ونيتشه، وهيغل وكانط. وكان قارئا نهما يحب المطالعة كثيرا. وقد شغف بالتاريخ والفلسفة، وعلم اللاهوت، والجماليات، الخ. ثم واصل دروسه في كلية الحقوق والاقتصاد، وراح يحضر أطروحة جامعية عن المجتمعات التجارية في القرون الوسطى. وبعد أن ناقش هذه الأطروحة أمام جهابذة الأساتذة ويحضور حشد من الطلاب منحوه شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف الأولى. وبدءًا من ذلك الوقت راحوا ينظرون إليه على أنه أحد كبار علماء الاجتماع. ثم عينوه أستاذاً في جامعة فرايبورگ أولاً (1894) وجامعة هايدلبرگ ثانياً (1896) حيث درس علم الاقتصاد السياسي. الانهيار النفسي الذي عانى منه في عام 1898 أدى إلى انسحابه من التدريس الأكاديمي، إلا أن ذلك الانسحاب لم يؤثر على تدفق كتاباته، التي قادم مجموعة كبيرة منها. الفكرة الموحدة لديه كانت التركيز على العلاقة المتبادلة بين التشكيلات القانونية والسياسية والثقافية في جانب، والنشاط الاقتصادي في الجانب الآخر. وفي عام 1904 أسس ماكس فيبر مجلة سيكون لها دور في تطوير نظريات علم الاجتماع لاحقاً. وكان عنوانها: أرشيفات العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية. ثم شارك عام 1910 في تأسيس الرابطة الألمانية لعلم الاجتماع. وبعدئذ انخرط ماكس فيبر في العمل السياسي المحض وأصبح معارضا سياسيا للإمبراطور غليوم الثاني وعضوا فاعلا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. وقد شارك بعد الحرب العالمية الأولى كعضو في الوفد الألماني إلى مؤتمر السلام الذي انعقد في فرساي عام 1919. وقد طلبت منه السلطات بعدئذ بلورة دستور جديد للجمهورية الألمانية. ثم قدموا له كرسي علم الاجتماع في جامعة ميونيخ عام 1918. ولكنه مات بشكل مفاجئ ومبكر عام 1920. ويلاحظ أن فيبر لم يحترف علم الاجتماع إلا قبل وفاته بعامين، ولقد توفي عام 1920 قبل أن يتم مؤلفة الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية الاجتماعية وهو الاقتصاد والمجتمع Economics and Society لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة 1922 هي جمع شتات هذا المؤلف بعد أن تركها ويبر في صورتها المبدأية. وهكذا لم يعش أكثر من ثمانية وخمسين عاماً، ولكنه ترك بصماته الكبرى على علم الاجتماع وأصبح أحد كبار الثلاثة المؤسسين له: أي كارل ماركس، إميل دوركهايم، ماكس فيبر.
2-ظروف كتاب "الديموقراطية في أميركا".
دفعت الأحداث والتقلبات التي شهدتها فرنسا دي توكفيل على التعمّق في دارسة الديموقراطية وتطورها خارج أوروبا. فجذبت الولايات المتحدة الأميركيّة، الدولة الفتيّة، انتباهه، ذلك لأنها الدولة الأولى التي توصلّت لتطبيق النموذج الديموقراطية الصحيح، الذي مكّنها من إيجاد الحل المناسب لمشكلتي الحريّة والمساواة اللتين كانت فرنسا تعاني منهما. لذلك فكّر بدراسة النمط الديموقراطي الأميركي، واستغّل قضيّة إصلاح السجون في فرنسا، فتقدّم دي توكفيل مع صديقه بطلب إلى وزارة الداخلية عارضين الذهاب إلى الولايات المتحدة الأميركيّة لدراسة النظام الإصلاحي الأميركي ميدانياً. فكان لهما ما أرادوا. وصل دي توكفيل وصديقه بومون الى شواطئ نيويورك ليبقى في تلك البلاد ما يقارب السنة يجمع فيها ملاحظاته حول التجربة الديموقراطية في أميركا، وكيفيّة حل مشكلة الحريّة والمساواة فيها، لعل اقتباس هذه التجربة يكون مفيداً لفرنسا ولحلّ مشاكلها السياسيّة والاجتماعية وبالأخص مشكلتي الحريّة والمساواة.
3-أفكار دي توكفيل وتنبؤاته السياسيّة:
إن ما استدعى انتباه دي توكفيل في الولايات المتحدة الأميركية هو توفّر المساواة في الشروط الاجتماعية. فاعتبر هذه المساواة ظاهرة مولدة لكل الظواهر الجزئيّة الأخرى، ونظر إليها على أنها مفتاحاً لكل شيء. كما اعتبر أن هذه المساواة تسير سيرا سريعا لفرض وجودها في أوروبا.
فما هي مقاربة دي توكفيل للمساواة؟
v المساواة:
شكلّت المساواة مسألة فكرية أساسية شغلت الباحث. وقد اعتبر أن المساواة في الشروط هو واقع منجز، وهي ظاهرة عالميّة مستمرة، لا تخضع للقوة البشريّة. فكل الأحداث، كما كل الناس تخدم
تطورها، من هنا قناعة دي توكفيل بوجود قانون للمساواة. غير أن دي توكفيل ميّز بين حالتين من
المساواة:
- الأولى: السعي لتحقيق المساواة بين البشر، وقد أطلق على هذه الحالة تسمية قانون التساوي Loi d’égalisation
- الثانية: شغف تحقيق المساواة الاجتماعية والسياسيّة passion égalitaire
بالنسبة لقانون التساوي، فقد لاحظ دي توكفيل أن المساواة تتمظهر منذ فجر التاريخ، وفي كل
المجالات، حيث تميل الفروقات بين الأفراد الى الاندثار "فالاكتشافات العظيمة أزالت امتيازات
الأقوياء على الضعفاء، وخفضت من شأن النبيل ورفعت من شأن العامي اجتماعيا ولاحظ أيضا
أن الثورة الديموقراطية تقوم على المساواة ركيزتها الأساسيّة. وهذه المساواة ليست حادثاً عرضياً بل هي ظاهرة عالميّة وعامة.
أمّا بالنسبة لشغف تحقيق المساواة الاجتماعية والسياسيّة. فقد اعتبر الباحث أن لدى كل الناس شغف بالمساواة، وهو شعور متوّقد، وأبدي لا يقهر. فهو شغف ت ا ركمي، على اعتبار أنه كلما تحققت
المساواة كلما أصبحت حاجة ملحّة عند الناس.
v حتميّة الثورة الديموقراطية
يعتقد دي توكفيل أن الثورة الديموقراطية هي حتمية. فكل العوامل والأحداث تجري لمصلحتها حتى أن الإرادة الإلهية شاءت هذه الثورة. ولذلك ما من أحد يستطيع أن يقف بوجهها لإعاقتها.
فإعاقتها هي إعاقة لمشيئة الله. وطالما أن الأمر كذلك ينبغي على الشعوب المسيحيّة في أوروبا
واستجابة للمشيئة الإلهيّة. الاستعداد لتقبّل هذه الثورة وقيادتها قبل أن تفلت منها. ولكن كيف يتسنى
للشعوب المسيحيّة أن تقود هذه الثورة وعبر أي مجتمع سياسي؟. أعبر المجتمع الأستقراطي أم عبر المجتمع الديموقراطي؟.
v المجتمع الأرستقراطي:
يقر توكفيل أن المجتمع الأرستقراطي ينطوي على بعض الحسنات. فهو استطاع أن يوفر للشعب
بعضا من حياة الترف والسعادة ووعي خاص بالمجتمع الذي يعيش فيه. لذلك لم تكن طاعة الشعب
للسلطات الأرستقراطية مذلّة له، لأن هذه الطاعة كانت قائمة على قناعة منه بعدالة توزيع السلطات
في المجتمع الأستقراطي الذي يعيش فيه. فظهر خضوعه بالتالي، كشيء طبيعي ونتيجة من نتائج
نظام الطبيعة الثابت. ولكن بالرغم من هذه الحسنات فإن المجتمع الأستقراطي هو مجتمع ميت لأنه
مجتمع الأمس، فهو ينحدر باستمرار منذ سبعة قرون لمصلحة الطبقة العامة من الشعب، وذلك بسبب اعتماده على مبدأ التفاوت وعدم المساواة بين البشر. فعدد قليل من الناس يتمتّع بحق الملكيّة
والسلطة والترف في حين أن الأغلبية فقيرة وجاهلة.
v المجتمع الديموقراطي:
يرى دي توكفيل أن المجتمع الديموقراطي قام على أنقاض المجتمع الأرستقراطي. وإذا ما أحسن تكوينه وتوجيهه نحو العمل الهادئ، يصبح هو المجتمع القادر على توفير السعادة والرفاهية للشعب. وذلك عبر تعميم المساواة وتنظيمها بواسطة القوانين التي يجب أن تكون مقبولة ومحبوبة
من قبل الجميع خاصةً أنهم اشتركوا في صنعها. وهكذا يصبح بإمكان الجميع عبر الحقوق الفردية
وواجباتها، والوجدان الديني، والتضامن الحر بين جميع الأفراد، أن يقفوا بمواجهة أي مشروع استبدادي من قبل السلطة المتسلطة. وبذلك يشكل المجتمع الديموقراطي حالة اجتماعية أكثر تقدما من حالة المجتمع الأرستقراطي. ففيه ستكون الأغلبية في حالة اجتماعيّة أفضل، وسيبدو الشعب فيه
أكثر ميلاً نحو الهدوء لأنه يعرف أنه على ما يرام.
هذه الصورة التي استوحاها دي توكفيل من التجربة الديموقراطية في أميركا ولم تكن متوفّرة في أوروبا. ففي تلك القارة ت ركت الديموقراطية ضحية للميول والغرائز دون البحث عن الوسائل التي من شأنها أن تصلح أخطاءها، وتعالج أمراضها، وتبرز مزاياها الطبيعيّة والخبرة التي يمكن أن تعطيها.
فلم يبق سوى نوع من الاضطراب الفكري والروحي. فالكل في حالة صراع، ورجال الدين يحاربون
الحرية، وأتباع الحريّة يحاربون الدين، والفقراء يكرهون الأغنياء...
إذا كان هذا واقع الديموقراطية في أوروبا، فإن الصورة المثاليّة للديموقراطية تتجلى في التجربة
الأميركية. فأميركا هي البلد الوحيد الذي بلغت فيه الثورة الديموقراطية تطورها الكامل. وإذا كانت هذه الثورة نجحت في أميركا فلأنها اعتمدت الوسائل السلميّة والبسيطة والسهلة. ولذلك ينبغي على فرنسا لكي تتوصل الى المساواة الكاملة في الشروط. التقيد بالخطى الأميركية في هذا الشأن.
v أسس الديموقراطية
سعى دي توكفيل الى فهم وتحليل التطور الاجتماعي السياسي في فرنسا، حيث كانت تتم
عمليّة الانتقال من المجتمع الأرستقراطي إلى المجتمع الديموقراطي. فدرس عمليّة الانتقال هذه
بموضوعية وتجرد. وحاول من خلال هذه الموضوعية، أن يبحث في الثورة الديموقراطية الآتية وبقوة لتفرض نفسها على هذا العالم. وسعى للبحث في الأسس التي تقوم عليها الديموقراطية وهي المساواة والحريّة. ووصل الى خلاصة مفادها أن لا وجود للديموقراية بلا مساواة، كما أن المساواة بلا حرية من شأنها أن تؤدي الى هلاك المجتمع البشري.
هذه القناعة دفعته الى تقديم الولايات المتحدة الأميركية كمثال لدولة عاشت التطوّر السياسي
الاجتماعي الحديث، وعرفت كيف تتعاطى مع المساواة والحرية وكيف تجد العلاج لأمراض الديموقراطية.
v مخاطر المساواة:
تمثّل الولايات المتحدة بالنسبة للكاتب النموذج الصادق لمجتمع المساواة في الشروط:
فالناس فيها كانوا يبدون متساوين من حيث ثروتهم ومن حيث ذكاءهم، أو بكلمة أخرى، أكثر تساويا في القوة مما هم عليه في أي بلد في العالم، وفي أي قرن يذكره التاريخ. وهكذا تبدو المساواة في المجتمع الديموقراطي أشد تأثيرا على قلب الإنسان من الحرية، إذ في المجتمعات الديموقراطية تندفع الشعوب باندفاعات سريعة وبجهود مفاجئة باتجاه الحرية. واذا ما عجزت عن تحقيقها، فإنها تتألم ومن ثّم تستسلم.
بينما بالنسبة للمساواة، فعند الشعوب الديموقراطية ولع جامح لا يقهر لتحقيق المساواة في الحرية، وإذا ما عجزت عن ذلك، فإنها تسعى لتحقيق المساواة في العبوديّة. فباستطاعتها أن تتحمّل الفقر، والاستعباد، والبربرية، لكنها لا تستطيع أن تتحمل الأرستقراطية. إن حب المساواة حب كثير المطالب لا يرتوي، وتلبيته تلبية جزئيّة لا تخفف منه بل تزيد من حدته. كلما قلّت الفروقات، ازداد كره الناس للامتيازات فحب المساواة ينمو بنمو المساواة نفسها. كما أن أصغر فارق يبدو مكروها بنمو المساواة نفسها، وتصبح رؤيته مكروهة أكثر كلما تحققت المساواة أكثر. هنا يمكننا أن نتصور قناعة ورضى البشر عندما يصلون الى درجة معينة من الحريّة. بينما حبهم الذي لا يرتوي للمساواة لا يسمح لهم بأن يؤسسوا المساواة التي ترضيهم.
وهكذا تبدو المساواة بالنسبة لدي توكفيل سلاحا ذو حدين؛ فهي إما تدفع البشر لكي يكونوا أقوياء
ومحترمين وترفعهم الى مرتبة العظماء، وإما تدفع الضعفاء الى جذب الأقوياء الى مستواهم وجعلهم
مساوين لهم في الذل والعبوديّة.
وبما أن هذه هي صفات المساواة، فلا بد أن ينتج عنها بعض المخاطر، فأول الأمر يمكن القول أن
المساواة الاجتماعية تؤدي الى المساواة. والمساواة السياسية تعّبر عن نفسها عبر شكلين من النظام
السياسيّة: يتمثّل الأول بالنظام السياسي حيث تكون السلطة العليا بأيدي جميع الأفراد والثاني هو النظام القائم على سلطة الفرد المطلقة على جميع أفراد الشعب. إن الشعب الأميركي بفضل وعيه وتجربته استطاع أن يتجنب نظام العبودية القائم على سلطة الفرد ويؤسس نظام سيادة الشعب الذي
يعبر عن قناعته الديموقراطية الصحيحة. أما الشعوب الديموقراطية الأخرى فقد كانت أمام خيار صعب. فنظام سلطة الفرد المطلقة هو نظام العبوديّة والاستبداد. ونظام السيادة الشعبيّة هو نظام
السلطة المطلقة أيضا.
إن المجتمع فيها يفعل فعله بنفسه وفي نفسه. فلا توجد قوة إلا من داخله، بل إنك لا تصادف أحدا تقريبا يجرؤ على أن يتصوّر فكرة البحث عن هذه القوة في الخارج، ويشارك الشعب في إنشاء القوانين باختيار المشرعين، وفي تطبيقها بانتخاب وكلاء السلطة التنفيذية، يمكننا القول أنه يحكم بنفسه، والإدارة تشعر بأصولها الشعبية، وتدين بالطاعة إلى القوة التي انبثقت منها، بقدر ما تكون الحصة المتروكة لها ضعيفة ومحصورة. إن الشعب يهيمن على عالم السياسة الأميركي كما يهمين الله على الكون. إنه علّة كل شيء يخرج منه وكل شيء يصب فيه.
إن هذه السلطة هي السلطة المطلقة بعينها، وهي تعبر عن نفسها من خلال أغلبية المجتمع، وطالما
اعتبرت الأغلبية في المجتمع أنها تتمتع بحكمة وبوعي أكثر من أي شخص بمفرده، فلا يمكن لأي
عائق أن يقف بوجهها ويعيقها. ولكن لطغيان الأغلبية احتمالات، فهو يشكل في المجتمع الديموقراطي
تهديداً خطيرا للحرية. فبرأيه في كل المجتمعات التي تسود فيها المساواة في الحقوق السياسية دون
مراعاة الانتماء الطبقي أو الأصل أو االقدرات، يضحي فيها الفرد بحريته ويسلّمها للرأي العام ولحكم الأغلبية التي تتطلب من الأفراد خضوعهم المطلق. فالأغلبية لا تعرف أية حدود لقوتها. فهي تتدّخل باستمرار في جميع الأشياء وتعمل على سلب الإرادة الحرة لشخصية الأفراد وترغمهم على الخضوع لها.
هذا الطابع الدكتاتوري والاستبدادي للأغلبية وللرأي العام من شأنه أن يولد ردة فعل عكسية لدى الفرد. فهذا الفرد، ولكي يتمتع بفرديته وينمي شخصيته، كان عليه أن يبتعد عن الجماعة البشريّة وأن يعتكف جانباً مع أسرته وأصدقائه، ويخلق مجتمعاً صغيرا مخصصا له. وهذا يعني أن مجتمع
المساواة يدفع الفرد باتجاه الفردية، حيث يوجه كل فرد عواطفه نحو نفسه فقط دون المجتمع، ما يؤدي الى القضاء على الشعور العام في المجتمع. ويصبح الفرد غير مبالي بمصير المجتمع.
من هنا يمكن القول أن المساواة في المجتمع تؤدي الى تفتيت الجسم الاجتماعي إلى أفراد متساوين،
ولكن غرباء عن بعضهم البعض. وبذلك يكون كل فرد مستقلاً وضعيفاً، والنتيجة مجتمع أناني يعتمد
فيه الإنسان على نفسه فقط. كذلك أن الفرد في مجتمع المساواة لا يثق بعدالة الإنسان، بل يحقد عليه ويخاف منه ويحتقره. ما يدفعه للارتماء في أحضان الدولة التي تتجه لتركيز سلطتها في حكومة مركزية قوية تمارس استبدادها عبر الأغلبيّة والرأي العام على الأفراد المتساوين أمامها.
إذا، الخطر الذي يهدد الديموقراطية في مجتمع المساواة يكمن في مركزية السلطة. وهناك عدّة عوامل
تدفع الناس في هذا الاتجاه.
أولا: عدم قبول الهيئات الوسيطة
بعكس المجتمعات الأرستقراطية التي تتقبل وجود هيئات وسيطة تتوسط بين الدولة وبين الأفراد.
المجتمعات الديموقراطية لا تتقبل أي فكرة عن وجود فرد أو هيئة وسيطة بين الدولة والفرد وبالتالي، يصبح الفرد في هذا المجتمع المساواتي صغيرا وضعيفاً أمام هذه السلطة القوية التي تفرض قوانينها على جميع الأفراد وعلى السواء.
ثانيا: الاتكال على السلطة المركزية
في مجتمع المساواة يميل الناس عادة لترك المصالح العامة الجماعية على مسؤولية السلطة
المركزية. فهؤلاء الناس المستقلين والضعفاء، وبسبب حقدهم على الامتيازات، يحولون أنظارهم نحو الدولة المركزية التي تعتبر فوق كل المواطنين، فلا تثير حسد أي فرد منهم. على اعتبار أنهم تابعين للسلطة المركزية. هكذا إذا يرى دي توكفيل أنه في تمركز السلطة بأيدي الدولة يكمن الخطر الذي يهدد مجتمع المساواة كما يهدد الحرية فيه. ولذلك ينبغي على المجتمعات الديموقراطية ولكي تتجنب هذه المخاطر، أن تتعرف على الوسائل الواقية من هذه الأخطار، والتي كانت الولايات المتحدة الأميركيّة عبر مسيرتها الديموقراطية قد اكتشفتها.
v وسائل معالجة الديموقراطية:
يعتبر دي توكفيل أن الحرية هي العلاج الوحيد لمخاطر مجتمع المساواة الديموقراطي. فهي
وحدها قادرة على جعل الثورة الديموقراطية ثورة مفيدة للإنسانية.
إن ضمان الحريّة في المجتمع
الديموقراطية لا يتم عبر الحكومات المختلفة، بل عبر المؤسسات الحرة، فهذه المؤسسات هي التي
تضمن حرية الأفراد وحقوقهم الشخصية، وتساعدهم على نسيان شؤونهم الخاصة ليهتموا بالشؤون
العامة. وتتمثّل هذه المؤسسات الحرة باللامركزية والجمعيات والدين.
v اللامركزيّة:
تكمن اللامركزيّة برأي دي توكفيل بوجود البلديات المحلية والمؤسسات الحرة، حيث تسهم بنشر الحياة السياسية الحرة، وتقوية الشعور العام بالمسؤولية على كل بقعة من بقاع الدولة. وهذا من شأنه تقوية روح التضامن بين الأفراد، والشعور الحر بأنهم ينتمون إلى مجتمع واحد ومصالح عامة واحدة.
v الجمعيات:
إن الجمعيات ليست أقل أهمية من البلديات المحلّية؛ ففي المجتمعات الديموقراطية تستطيع
الجمعيات أن تجعل الأفراد مجتمعين قادرين على القيام بالأعمال التي يعجزون عن القيام بها كأفراد.
v الدين:
ينبغي على الدين برأي دي توكفيل أن يكون مساعدا للحرية لا مناقضا لها كما هو الحال في أوروبا.
ففي أميركا كان الدين رفيق درب للحريّة. فإذا كانت الحرية تخول المرء أن يفعل ما يريد، فإن الدين يحافظ على الرابطة الأخلاقية. ويمنع الفرد من أن يتأرجح على القيام بأي شيء. فالدين يخدم الحرية بمكافحته لأعراض الديموقراطية المؤسفة والكامنة في روح المواطن وقلبه، ألا وهي الفردانية.
وهكذا يمكن القول أن الديموقراطية إنما هي حركة دائمة، وتحريك دائم للعالم السياسي. أما الدين، فهو ثبات العالم الأخلاقي واستقراره وهذا يعوض ذاك.
v تنبؤاته السياسيّة
لقد كان دي توكفيل مفكرا اجتماعيا وسياسيا بكل ما للكلمة من معنى. درس المجتمع في أوجهه السياسية والاجتماعية. فتناولت تحليلاته تطور المجتمعات البشريّة. واستطاع بما تمتع به من نظر ثاقب وعين المراقب الاجتماعي والسياسي، توّقع خطّ تطور المجتمعات الغربيّ، والتنبؤ
بالانقسام الإيديولوجي الذي حصل بعد الحرب العالميّة الثانية. وهذا التوقع ليس مجرد حاسة ولكنه
خلاصة مبنية على معطيات علمية كما أوردها في كتابه الديموقراطية في أمريكا"
ففي القسم الرابع من هذا المؤلف، أرتفع الباحث فوق المؤسسات الأميركية وعمم تحليلاته، ومنحها
صفة العالمية متخطية بذلك الزمان والمكان. فوصف الأثر الذي تمارسه الافكار والمشاعر الديموقراطية على المجتمع السياسي"، حيث بحث دي توكفيل في الصفات المشتركة لدى كل المجتمعات الديموقراطية والقواعد التاريخية لتطورها. والملفت في هذا القسم من الكتاب هو جدية
الكاتب وصفاء رؤيته وقدرته على استشفاف المستقبل لأميركا ولروسيا:
كاتباً " يوجد اليوم على سطح الأرض شعبان عظيمان. انطلقا من نقطتي انطلاق مختلفتين، ويبدو أنهما يتقدمان نحو الهدف نفسه، هما الروس والأميركيون. كلاهما كبرا في الظلام، وبينما كانت أنظار البشر مشغولة في مكان آخر، اتخذا مكانيهما فجأة في الصف الأول بين الأمم، وسمع العالم بولادتهما وبعظمتهما في وقت واحد تقريبا " الأميركي وسيلته الرئيسية في العمل هي الحرية، والروس وسيلته العبودية"
نقطتا انطلاقهما مختلفتان، وطريقهما متباينتان، ومع ذلك، فإن كل واحد منهما يبدو مدعواً بخطة
خفية من العناية الإلهية ليمسك في يديه في يوم من الأيام مقدرات نصف العالم.
اندلعت الثورة الفرنسية Révolution française عام 1789 وامتدت حتى 1799، كانت فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا التي أثرت بشكل بالغ العمق على فرنسا وجميع أوروبا. انهار خلالها النظام الملكي المطلق الذي كان قد حكم فرنسا لعدة قرون في غضون ثلاث سنوات. وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء الامتيازات الإقطاعية والأرستقراطية والدينية وبروز الجماعات السياسية اليسارية الراديكالية إلى جانب بروز دور عموم الجماهير وفلاحي الريف في تحديد مصير المجتمع. كما تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.
بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 وشهدت السنة الأولى من الثورة القسم في شهر يونيو والهجوم على سجن الباستيل في يوليو وصدور إعلان حقوق الإنسان والمواطنة في أغسطس والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في فرساي خلال شهر أكتوبر مع اتهام النظام الملكي اليميني بمحاولة إحباط إصلاحات رئيسيّة. تم إعلان النظام الجمهوري في سبتمبر 1792 وأعدم الملك لويس السادس عشر في العام التالي. كانت التهديدات الخارجية قد لعبت دورًا هامًا في تطور الأحداث، إذ ساهمت انتصارات الجيوش الفرنسي في إيطاليا والمناطق الفقيرة المنخفضة الدخل غرب نهر الراين في رفع شعبية النظام الجمهوري كبديل عن النظام الملكي الذي فشل في السيطرة على هذه المناطق التي شكلت تحديًا للحكومات الفرنسية السابقة لعدة قرون. رغم ذلك، فإن نوعًا من الديكتاتورية شاب الثورة في بدايتها، فقد قضى بين 16,000 إلى 40,000 مواطن فرنسي في الفترة الممتدة بين 1793 و1794 على يد "لجنة السلامة العامة" إثر سيطرة روبسيبر على السلطة. في عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الاستقرار إلى فرنسا. استمر عودة الحكم الملكي واستبداله بنظام جمهوري لفترات ممتدة خلال القرن التاسع عشر، بعد خلع نابليون قامت الجمهورية الثانية (1848-1852) تلتها عودة الملكية (1852-1870).
امتدت تأثير الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم، بنمو الجمهوريات والديمقراطيات الليبرالية وانتشار العلمانية وتطوير عدد من الأيدولوجيات المعاصرة.
يكاد يجمع المؤرخون أن تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها أبرز سبب من أسباب الثورة. الأسباب بشكل أساسي هي اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرًا بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز مع ارتفاع أسعار المحاصيل نتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة استقرار المجتمع الفرنسي في السنوات التي سبقت الثورة. من القضايا الاقتصادية الأخرى كان إفلاس الدولة بسبب التكلفة الكبيرة للحروب السابقة، سيّما بعد مشاركة فرنسا في حرب الاستقلال الأمريكية، مع ارتفاع الدين العام الذي تراوح بين 1000-2000 مليون إلى جانب الأعباء الاجتماعية الناجمة عن الحرب وفقدان فرنسا ممتلكاتها الاستعمارية في أمريكا الشمالية وتزايد هيمنة بريطانيا التجارية. كما أن النظام المالي الفرنسي قد وصف بالبالي وغير الفعال وغير القادر على إدارة الديون الوطنية وتسديد أقساط القروض التي كفلتها الحكومة.
أمام هذه النوائب الاقتصادية كانت ينظر إلى الديوان الملكي في فرساي أنه منعزل وغير مبال بالطبقات الدنيا من الشعب. إلى جانب كون الملك لويس السادس عشر ملكًا مطلقًا ذو صلاحيات واسعة، وقيل عنه في كثير من الأحيان أنه غير حاسم ومعروف بتراجعه عن قراراته في حال واجه معارضة قوية، إلى جانب أنه لم يخفض النفقات الحكومية واستطاع البرلمان إحباط محاولات الكثير من القوانين الإصلاحية اللازمة. في غضون ذلك، كان معارضو حكم لويس السادس عشر يوزعون مناشير سريّة حملت في كثير من الأحيان معلومات مبالغ فيها تنتقد فيها الحكومة وإدارته وساهمت في إثارة الرأي العام ضد النظام الملكي.
العديد من العوامل الأخرى، يمكن النظر إليها أنها سبب في اندلاع الثورة، مثل الرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيّما مع تقدم الثورة للمطالبة بنظام جمهوري. أيضًا فإن الملكة ماري أنطوانيت يعتبرها البعض من أسباب الثورة، إذ نظر إليها الفرنسيون واتهموها - زورًا في أغلب الأحيان - بأنها جاسوسة النمسا ومبذرة وسبب اغتيال وزير المالية الذي كان محبوبًا من قبل الشعب.
4-3 مراحل الثورة الفرنسية
دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت عبر ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى (يوليو 1789 - اغسطس 1792)، فترة الملكية الدستورية: تميزت هذه المرحلة بقيام ممثلي الهيئة الثالثة بتأسيس الجمعية الوطنية واحتلال سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الفيودالية، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور للبلاد.
المرحلة الثانية (اغسطس 1792 - يوليو 1794)، فترة بداية النظام الجمهوري وتصاعد التيار الثوري حيث تم إعدام الملك وإقامة نظام جمهوري متشدد.
المرحلة الثالثة، (يوليو 1794 – نوفمبر 1799)، فترة تراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابارت للقيام بانقلاب عسكري ووضع حدا للثورة وإقامة نظاما ديكتاتوريا توسعيا.
4-4 نتائج الثورة الفرنسية
· النتائج السياسية: عوض النظام الجمهوري الملكية المطلقة، وأقر فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير.
· النتائج الاقتصادية: تم القضاء على النظام القديم، وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، واعتماد المكاييل الجديدة والمقاييس الموحدة.
· النتائج الاجتماعية: تم إلغاء الحقوق الفيودالية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية.
4-5 الأحداث ذات صلة التي سبقت الثورة الفرنسية
عصر التنوير الذي أدى إلى نقد الكثير من الكتاب الأوروبيين للنظام الملكي وتبني الديمقراطية والليبرالية والقومية والأفكار الاشتراكية.
- 1740 تسببت حرب الخلافة النمساوية في سقوط النظام الملكي في ديون كبيرة.
- 1756 بدأ حرب السنوات السبع التي فاقمت وضع الديون.
- 1774 حفل تتويج لويس السادس عشر في رانس.
- 1775 بدأ حرب الاستقلال الأمريكية (1775–1783).
- 1778 فرنسا تعلن الحرب على بريطانيا العظمى لدعم المستعمرات الأمريكية. وفاقمت الحرب التابعة وضع الديون بشكل أكبر.
- 1781 قانون سيجر يمنع غير النبلاء من دخول سلك الضباط في الجيش.
- 1783 انفجار بركان لاكي في ايسلندا وبرودة مناخ العصر الجليدي الصغير إلى جانب فشل فرنسا في اعتماد البطاطس كمحصول أساسي يساهم في انتشار المجاعة وسوء التغذية.
تنهي اتفاقية باريس الحرب. يزيد نجاح المستوطنين الأمريكيين ضد القوى الأوربية من طموحات الراغبين في الإصلاح في فرنسا.
- 1785 شوهت قضية عقد الألماس سمعة ماري أنطوانيت.
4-6 سجن الباستيل
الباستيل هو سجن أُنشئ في فرنسا بين عامي 1370 و1383 كحصن للدفاع عن باريس ومن ثم كسجن للمعارضين السياسيين والمسجونين الدينيين والمحرضين ضد الدولة. وأصبح على مدار السنين رمزاً للطغيان والظلم وانطلقت منه الشرارة الأولى للثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789. وما تزال فرنسا حتى اليوم تحتفل بمناسبة اقتحام السجن باعتبارها اليوم الوطني لفرنسا (Fête Nationale) في الرابع عشر من يوليو من كل عام وانتهاء حقبة طويلة من الحكم المطلق.
كان اسمه الأصلي "الباستيد" La Bastide وليس الباستيل وتعني "الحصن" باللغة الفرنسية. وقد بدأ التفكير جديا في بنائه مكان السور عند باب سانت أنطوان لحماية باريس من الشرق وحماية باب سان دنيس Saint Denis وسان مارتان Saint- Martin بعد هزيمة بواتييه Poitiers وأسر الملك جان الطيب Jean Le Bon عام 1356. وكان الملك بحاجة إلى أموال لبناء هذا الحصن، فاعترض على ذلك نقيب التجار، واسمه أتيين مارسيل Etienne Marcel وكان أغنى رجل في باريس، مما جعل بعض المؤرخين يصفون هذا الرجل بأنه أب من آباء الديمقراطية لوقوفه في وجه الملك. ولكن دوافع الرجل كانت شخصية بحتة، فقد كان يجهز لاستيلاء شارل الشرير Charles Le Mauvais على العرش والتوطيد لنفوذ الإنجليز. وقد أغتيل أتيين مارسيل في هذه المحاولة عام 1358 عند باب سانت انطوان، حيث أقيمت قلعة الباستيل بعد ذلك بأمر من ولي العهد الذي أصبح فيما بعد الأمبراطور (شارل الخامس). وقد وضع عمدة باريس حجر الأساس للاستيل عام 1370. وهكذا بني الباستيل ابتداء من 1378 من ثمانية أبراج بارتفاع 24 مترا وبسمك 3 أمتار عند القاعدة ومتر و80 سم عند القمة، واستغرق البناء 12 سنة، ومات شارل الخامس أو (شارلكان) عام 1380 قبل أن يتم بناء الباستيل في 1390. فالأصل في الباستيل إذن إنه كان حصنا للدفاع عن باريس من الشرق. وكان له كومندان يدعي "كابتن الباستيل" ومعه أقل من 20 من الحراس المسلحين. وكان مخرزنا للبارود والمدافع والأسلحة البيضاء. وفي جرد 1504 كان في مخازن الباستيل 3600 بلطة صالحة للاستعمال، و1060 بلطة غير صالحة للاستعمال، وعدد كبير من السلاسل لسد شوارع باريس، وفي السابع عشر كان بع عدد كبير من الأعلام.
منذ البداية كان للباستيل باب جانبي يستخدمه الملك للدخول والخروج سرا من باريس، وقد اعترضت بلدية باريس على وجود هذا الباب وحاولت إلغاءه، ولكنها عجزت عن ذلك.
وفي العصور الوسطي كان شيئا مألوفا قبل توحيد فرنسا أن يتحالف بعض أمراء الاقطاع مع بعض الملوك أو الأمراء الأجانب ضد ملوك فرنسا أو أمرائها. ومن أشهر هذه التحالفات تحالف ولاية بورجونيا مع الإنجليز. وقد احتل البرجنديون والإنجليز الباستيل، وكان قومندان الباستيل إنجليزيا لمدة 16 سنة بعد احتلالهم باريس ابتداء من 1418 حتى أجلوا عن الباستيل في 1436. (والبرجنديون كما هو معروف هم الذين سلم وا جان دارك بعد ذلك للانجليز فحاكموها وأحرقوها بتهمة إنها ساحرة) ولم يكن الباستيل مخزنا للسلاح والذخيرة فقط، بل كان أيضا من القرن الخامس عشر حتى عهد لويس الرابع عشر مخزنا لجواهر التاج وكنوزه ومقرا لخزانة الدولة. ومما يذكر أن هنري الرابع ملك فرنسا أودع في الباستيل عام 1600 مبلغ 13 مليون جنيه ذهبا استعدادا لحربه مع أسبانيا.
الصورة التقليدية عن الباستيل حتى قبل سقوطه في يد الثوار أنه لم يكن حصنا للدفاع بقدر ما كان قلعة للطغيان وسجنا للتعذيب، وتلك كانت وجهة النظر الرسمية في فرنسا منذ عام 1880، عام إعلان 14 يوليو عيدا قوميا للحرية في فرنسا.
ولم يعتبر الباستيل قصرا إلا في عهد لويس الرابع عشر حين أصدر هذا الملك في 1667 أمرا ملكيا لقومندان الباستيل باعتبار الباستيل أحد القصور الملكية وأمره بموجب هذا أن يطلق المدافع ابتهاجا بمولد ابنته. وفي عهد لويس الخامس عشر كان الباستيل يطلق المدافع تحية للملك عند دخوله وخروجه من باريس. وفي عهد لويس السادس عشر امتدت التحية لموكب الكونت دارتوا، أخى الملك ولفرقته المسرحية وهي الكوميدي فرانسيز.
وبحسب أرشيف مكتبة الأرسينا ال (الترسانة)بلغ مجموع السجناء في الباستيل منذ بنائه نحو 1400 حتى سقوطه في 14 يوليو 1789 نحو 6000 سجين، منهم 800 سجين بين 1400 و1659 وهي بداية عهد لويس الرابع عشر، و5279 سجينا بين 1659 ويوم سقوطه في 1789. وكان أول سجناء مدنيين احتجزوا في الباستيل عام 1423. اثنان من السحرة جيء بهم ليعالجا الملك من جنونه ولكنهما فشلا. وفي 1428 كانت باريس وفرنسا كلها شمال نهر اللوار أيام شارل السابع خاضعة لهنري السادس ملك إنجلترا ووثائق الفترة تقول أنه كان في الباستيل 17 سجينا منهم 4 من الإنجليز و3 من الفرسان و3 من السياس من بريتاني وراهبان وقسيس واثنان من صانعي النبيذ وغلام يبلغ من العمر 13 عاما.
ومنذ البداية تقريبا تحول الباستيل من حصن عسكري إلى سجن لأعداء الملك ولتأديب النبلاء الذين ينحرف سلوكهم في البلاط. وبعد مائة سنة من الهدوء النسبي اتسع الأمر ليشمل سجناء العقيدة الدينية مثل البروتستانت واتباع الجانسنية ثم الجزويت. كما دخلت الباستيل قلة من متهمي القانون العام. وتميز الباستيل عن سجون فرنسا الأخرى بأهمية ضيوفه أو بشهرة الجرائم التي ارتكبوها.
منذ تحول الباستيل من قلعة إلى سجن كان سجنا "ملكي" تابعا للملك مباشرة ينفق عليه من أمواله الخاصة، ويجري فيه كل شيء بعيدا عن رقابة القانون العام. ولم تكن تجري فيه الإعدامات، وإنما كان محطة للتحقيق والمحاكمة السياسية عن طريق برلمان باريس ثم التوزيع إما على السجون الأخرى مثل سجن فانسين وسجن مون سان ميشيل أو أحد سجون فرنسا الأربعمائة، وفي بعض الأحوال النفي أو الاعتقال مدى الحياة في الأديرة أيضا على نفقة الملك، وإما الإعدام فيتم عادة بقطع الرأس ببلطة العشماوي للنبلاء. وهذا لم يمنع طبعا من احتجاز بعض الشخصيات في الباستيل بأمر الملك مدى الحياة أو لسنوات مديدة. وفي بعض الأحيان كان الإعدام يتم بتفسيخ جسد المحكوم عليه أربعا في ميدان الجريف كما حدث في حالة الراهب جاك كليمان Jacques Clement قاتل الملك هنري الثالث عام 1589، ورافاياك Ravaillac قاتل الملك هنري الرابع في 1610، وداميان Damiens الذي حاول قتل لويس الخامس عشر في 1757.
تم أهم تطور في تاريخ الباستيل والسجون الفرنسية في عهد لويس الرابع عشر منذ توليه في 1656، فقد كان أكثر المعتقلين بالأمر الملكي من النبلاء والقواد المتآمرين على الملوك، وكذلك الأمر في عهد كاترين دي مدسيس وماري دي مدسيس، وفي عهد الكاردينال ريشيليو Richelieu والكاردينال مازاران Mazarin. فلما تولي لويس الرابع عشر أنشأ منصبا جديدا والذي كانت مهمته حفظ الأمن وتنظيم التموين وحماية الطرق ومكافحة الحرائق والفيضانات والنجدة ووضع لوائح الصناعات والأماكن العامة والمطابع والمكتبات. وكانت أوامر الاعتقال الملكية تسمى "الخطابات المختومة" Lettres de Cachet التي يوقعها الملك شخصيا قليلة العدد حتى بداية حكم لويس الرابع عشر ثم تدفقت كالطوفان في بداية عهده. وكان أول حكمدار للبوليس هو لاريني La Reynie الذي شغل منصبه ثلاثين عاما، وخلفه المركيز أرجنسون Argenson وقد وصف هذا المنصب بمثابة وزير سري شبيه برئيس محكمة التفتيش.
وابتداء من 1659 بدأ الباستيل يحفظ سجلات منتظمة لسجنائه، ومنعا نعرف أن سجناءه بين 1658 وسقوطه في 14 يوليو 1789 بلغ 5279 سجينا منهم 2320 أيام لويس الرابع عشر (2016 ذكورا و226 اناثا)، ومنهم 1459 أيام وصاية الكاردينال دي فليري De Fleury منهم 1233 من الذكور و226 من الإناث، ومنهم 1194 سجينا في عهد لويس الخامس عشر (1019 ذكورا و175 إناثا) ومنهم 306 سجناء في عهد لويس السادس عشر (274 ذكور و32 إناث) ولم يكن تدرج عدد السجناء في الانخفاض بسبب انخفاض عدد خطابات الكاشيه، ولكن نفقات الباستيل الباهظة جعلت الدولة تفضل إرسال المتعقلين إلى سجون أخرى.
كان لقانون الميراث تأثيرًاً كبيرًا على الأحوال الاجتماعية، فتغيير هذا القانون في عصر الثورة الأمريكية أسهم في خلق المساواة، و ذلك من خلال نتيجتين:
الأولى هي تقسيم التركة بطريقة متساوية بين كلِّ الأبناء عكس ما كان في السابق، حيث كانت تنتقل كاملة إلى الابن الأكبر من جيل إلى جيل، فتحافظ الأسرة الأرستقراطية على الروابط العاطفية التي تربطها بالأرض، وتميزها عن غيرها من الطبقات، أما النتيجة الثانية فلها أثر على عقول الورثة، حيث تحرِك فيهم الرغبة في بيع إرثهم لتحقيق الربح المادي.
والمساواة لم تقتصر على الثروة فقط، بل تجاوزتها إلى التساوي في العلم، فالتعليم الابتدائي كان متوفراً لكل إنسان، غير أن المستوى التعليمي لدى أغلب الأمريكيين لا يصل إلى المستوى العالي بسبب انشغالهم بمزاولة المهن المختلفة.
- يقول الكاتب:” الأمم تبذل جهودًا كبيرة للحصول على الحرية، وإن لم يحصلوا عليها أصابهم الفشل، وإنهم ليؤثرون الموت على أن يفقدوها” وانطلاقا من هذه العبارة خلص دي توكفيل إلى أن الحرية هي هم المجتمع الأمريكي، وأنهم يفضلون الموت على فقدانها، فهي تعتبر من أهم نقاط القوة في الديمقراطية الأمريكية، والأمريكيون في نظر دي توكفيل أمة محظوظة بسبب الإفلات من سلطة الرجل الواحد، فدستور 1787م حرص على عدم امتلاك رئيس الولايات سلطات مطلقة
- كما أن إقامة المساواة السياسية بين الناس حسب ألكسيس تتمثل في طريقتين: منح الحقوق لكل مواطن من المواطنين، أو عدم منح شيء منها لأحد.
6- تطور الممارسة الديمقراطية بالمجتمع الأمريكي
إن مبدأ سيادة الشعب يسيطر على المجتمع الأمريكي بأسره، وأن الأمريكيين طبقوه حتى قبل قيامهم بالثورة، وأنه مبدأ فاعل وليس بالعقيم في هذا البلاد بعكس استعماله خارجها من قبل بعض المستبدين وأصحاب المصالح الشخصية، على أن الثورة الأمريكية طوَّرت هذا المبدأ ووسعت شروط الانتخاب بالتدريج.
أما بعد اندلاع الثورة فقد صار مبدأ سيادة الشعب موضع مناصرة من جميع الطبقات، وقامت معارك وانتصارات باسمه، حتى صار قانون القوانين الذي كتب للثورة الانتصار النهائي، وشرعت الأمة في تعديل شروط الانتخابات لتبدأ في إزالة القيود المفروضة عليها شيئا فشيئا، ومع كل توسع جديد في هذا التعديل تزداد قوة الديمقراطية.
وفيما يخص الولاية فهي تتكون من سلطتين، سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، فالسلطة التشريعية تتوزع إلى مجلسين مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ويعتبر مجلس الشيوخ بمثابة هيئة قضائية وتنفيذية، وينظر في القضايا السياسية والمدنية، ويضم عددًا قليلاً من الأعضاء، ولا يعتبر تقسيم السلطة التشريعية إلى قسمين خلق أرستقراطية وراثية، حيث لم يكن هدفهم أن يخلقوا من أحد القسمين حصنا للسلطة، على حين يمثل القسم الثاني مصالح الشعب، ولكن كان الهدف من هذا التقسيم هو الرقابة على الحركات السياسية، فضلا عن إيجاد محكمة استئناف لمراجعة القوانين وتعديلها، أما مجلس النواب فله وظيفة تشريعية فقط وقد يوجه التهم لبعض الموظفين أمام مجلس الشيوخ.
لعبت اللامركزية في أمريكا دورًا أساسيًا في تنامي الديموقراطية عن طريق إيجاد مكان تمارس فيه الحرية ومبدأ سيادة الشعب، حيث ركز الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية على تفتيت السلطة حتى لا تتركز في يد واحدة، والإفراط في اللامركزية مما أدى إلى تنامي الحرية المحلية.
كان توكفيل يخاطب الأوروبيين وبالذات الفرنسيين، يدعوهم لدفن الماضي، وإدراك الفرص التي طرحتها السياسة الاقتصادية الأوروبية على السياسة والمجتمع المدني على حد سواء، كان ضعف الدولة في أمريكا أول شيء يستوقف دي توكفيل. فجاء تفسيره ليرسي أول الميزات بين أمريكا بأن مجتمعها قوي، ودولتها ضعيفة، وأوروبا حيث الدولة القوية، والمجتمع الضعيف، وهو التمييز الذي ترك تأثيراً فاعلاً في التنظير المعاصر.
ومن خصائص أمريكا الديمقراطية قلة المدن الكبيرة وما ترتب عليها من تزايد أهمية المجالس المحلية، والغياب النسبي للبيروقراطية (المكتبية أو الإدارية )، وهو غياب مقرون بتقاليد اللامركزية، والعزلة الجغرافية، كل هذه العوامل، لا سيما عندما تُضَمُ الى المساواة الاجتماعية الواسعة، وثقافة الاعتماد على الذات, تؤدي إلي خلق مجتمع ديمقراطي قوي قائم على الحرية و المساواة, إضافة إلى تدخل الناس في الشؤون العامة، والتصويت الحر على الضرائب، ومسؤولية ممثلي السلطة، والحرية الشخصية، والقضاء المستند إلى هيئة المحلفين.
إن أسئلة دي توكفيل تتمثل في كيفية جعل الحرية والمساواة ممكنتين معا، فالمساواة الاجتماعية في رأيه تعني عدم وجود اختلافات في الشروط الوراثية، وكذلك في كل الأشغال وكل المهن و كل المناصب، وكل الكرامات المتاحة للجميع .وقد وجدت هذه الميزة في المجتمع الأمريكي الذي احتفظ بالقيم الأخلاقية لمؤسيسه من المهاجرين الأوائل، و كانت الأسباب الحقيقية التي تتمتع بها الديمقراطية في أمريكا، هي القوانين والعادات و التقاليد و الاعتقادات التي يصعب دونها الحصول على الحرية، وتكتسب القوانين احترامها من كونها موضوعة من طرف الشعب وليس مفروضة عليه. وقد كانت الثقةُ متبادلةً بين الطبقات، لكون حق كل منها محفوظ بالمساواة أمام القانون.
ومن الملاحظات على المجتمع في تلك الفترة قلة اهتمامه بالعلوم العليا مقارنة باهتمامه بتعليم أبنائه الحرف التي تدر عليهم المال أكثر من اهتمامه بتعليمهم في الجامعات.
هذه جوانب من ملامح الحياة السياسية الأمريكية بعيون كاتب فرنسي معاصر لتأسيس الدولة الأمريكية ومنبهر بتجربتها، وليس ما قاله مطابق للسياسات الأمريكية اللاحقة، فقد نشأت اللوبيات المؤثرة على الرأي العام، وقويت الدولة المركزية بسبب قوتهم، ولكن التجربة الأمريكية تظل مخزنا لتجارب الشعوب الباحثة عن النجاح دون إغفال العيوب التي صاحبتها منذ انطلاق ثورتها، وجعلتها أحيانا في خدمة لوبيات ظالمة كاللوبي الصهيوني، فأفقدتها منظور العدالة جزئيا وهي الحريصة على شعار الحرية والعدالة.
لم يقتصر ألكسيس دي توكفيل في دراسة المجتمع الأمريكي على الرجوع إلى أصوله وأحواله الاجتماعية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث قام بدراسة الطبيعة الجغرافية التي قام عليها هذا المجتمع وما لها من عوامل ساعدت على قيام ديمقراطية ونجاحها.
فالعوامل الطبيعية التي تتصف بها أمريكا الشمالية مقارنة بأمريكا الجنوبية كانت حسب الكاتب بيئة جادة كأنها خلقت ليعيش فيها ذوو العقول الرزينة عكس أمريكا الجنوبية التي كانت مكانًا لإرضاء اللذات الحسية بسبب توفرها على طبيعة جذابة.
كما أن الشعوب الأصلية لأمريكا الشمالية أي الهنود الحمر لم يشكلوا دولة في ذلك الجزء من الكرة الأرضية، وذلك راجع إلى كونهم يترحلون بكثرة، كما لم تكن لهم موارد قارة تساعدهم على الاستقرار
وزيادة على ذلك فأراضي أمريكا الشمالية كانت في أغلبها صحراء تصعب الزراعة فيها مما ساعد على عدم قيام أرستقراطية قوية في تلك القارة كما هي عليه في أوربا في ذلك الوقت بحكم أن الامتيازات الأرستقراطية تقوم على الأرض.
فكل هذه العوامل ساهمت بشكل كبير في إيجاد الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية بالإضافة إلى عوامل أخرى محددة في أصول الأمريكيين الإنجليز و أحوالهم الاجتماعية، وسيأتي عرضها في المطلبين القادمين.
هذا وتنبغي الإشارة إلى أن تركيز ألكسيس دي توكفيل على الأمريكيين الإنجليز دون غيرهم يرجع إلى كون المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية في أمريكا ظهرت في أول الأمر مع هؤلاء المهاجرين ثم انتقلت إلى الآخرين إلى أن عمت كل الاتحاد.
لقد أوصلت دراسة دي توكفيل للدمقراطية في أمريكا إلى حد البحث عن بداية نشأة المجتمع الأمريكي و أصوله، فحسب تعبير الكاتب أنه لكي نفهم الاتجاه الذي سارت عليه أمة من الأمم يجب الرجوع إلى نقطة بدايتها، وهذا ما لم يكن عسيرًا عليه في أمريكا لأن أمريكا البلد الوحيد الذي يمكن معرفة تاريخ نشأته بوضوح.
فلقد تأسست أمريكا من خلال استقرار بعض المهاجرين القادمين من أوروبا الذين كوَّنوا في أول الأمر مستعمرات تابعة لبلدانهم الأصلية، ولكن الكاتب ركز هنا على المهاجرين الإنجليز دون غيرهم من المهاجرين، وإن كانت لكل هؤلاء المهاجرين العناصر اللازمة لقيام الديمقراطية الكاملة المتمثلة في الشعور بالمساواة التي كانت من آثار الهجرة، وكانت أيضا نتيجة استحالة قيام أرستقراطية قوية بسبب طبيعة الأراضي التي تتسم بها أمريكا. ولقد ميز الكاتب بين فيئتين الأمريكيين الإنجليز: أولاهما جالية انجليزية نزلت في فرجينيا سنة 1607م, وكانت لديهم فكرة أن مناجم الذهب و الفضة من مصادر الثروة القومية التي حرصت عليها هذه الفئة عند قدومها إلى أمريكا, وهي الفكرة كانت منتشرة في أوروبا في ذلك الوقت, وهي لا شك خاطئة حسب الكاتب. إذ أدت إلى افتقار الدول الأوروبية التي أخذت بها، وحاولت هذه المجموعة نقل هذه الفكرة إلى أمريكا، فكان هدفهم بذلك من الهجرة هو تحقيق الثروة، كما وصف الكاتب هؤلاء بكونهم قومًا مغامرين لا أخلاق لهم ولا موارد خاصة يعتمدون عليها، وقد وصلت إليهم فيما بعد، جماعاتٌ من الصناع و الزراع كانوا أحسن أخلاقا و أكثر انتظاما، ومع ذلك فإنهم لا يرتفعون عن مستوى الطبقات الدنيا في إنجلترا في شيء.
أما المجموعة الثانية فكانت تعرف بالمتطهرين وهم جماعة متدينة، وقد تحدث عنهم المؤلف فقال :”وكان هؤلاء المهاجرون، {الحجاج} كما يسمون أنفسهم بحق، من تلك الطائفة الإنجليزية التي أكسبتها كرامة مبادئها اسم المتطهرين (البيوريتانز) وليس التطهيرية مجرد مذهب ديني فحسب، فقد كانت تتفق في كثير من الوجوه مع أكثر النظريات الجمهورية والديمقراطية المطلقة … حدث هذا في سنة 1620، ومنذ ذلك الوقت ظلت الهجرة تتوالى لا ينقطع تيارها، فالأهواء الدينية و السياسية التي مزقت أوصال الإمبراطورية البريطانية طوال حكم الملك تشارلز الأول كله ظلت تدفع جماهير جددا من أهل الطائفة نفسها إلى شواطئ أمريكا في كل سنة من السنين”.
ولم يكن أمر خروج هذين الفئتين بموضع أسفٍ للحكومة الإنجليزية، بل كان مصدر سعادة بالنسبة إليها فقد خلصتها هجراتهم من عناصر شقاق و نزاع، إضافة إلى كونهم مصادر لثروات جديدة، ولذلك عملت على تشجيع هذه الهجرات ولم تكترث بالمصير الذي قد يواجهونه جراء هذه الهجرة.
فمع هؤلاء الذين استقروا في شمال أمريكا (نيوإنجلند) ستظهر الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها النظرية الأمريكية الاجتماعية.
توصف الأحوال الاجتماعية لدى المجتمع الأمريكي الإنجليزي بالديمقراطية، إلى حد أن المساواة بلغت شأنًا كبيراَ بين المهاجرين، وذلك منذ أن نشأت المستعمرات فيها، و هذا ينطبق بشكل كبير على المهاجرين في نيوإنجليد، وعكس ما عليه الأمر في الجنوب الغربي (فلوريدا)، إذ إن المهاجرين الذين استقروا في هذا الجزء من الولايات المتحدة كانوا من كبار الملاك الذين جعلوا من أنفسهم طبقة عالية ذات أفكار و أذواق خاصة بها، مما أدى إلى بروز أرستقراطية نسبية في جنوب غرب أمريكا غير موجودة في شمالها (نيو إنجلند)، لكن لم يكتب لهذه الأرستقراطية النجاح بسبب اعتماد كبار الملاك على العبيد، و بالتالي لم يكن لهم نفوذ على باقي أفراد الشعب.
كما أنَّ لقانون الميراث تأثيرًاً كبيرًا على الأحوال الاجتماعية، فتغيير هذا القانون في عصر الثورة الأمريكية أسهم في خلق المساواة، و ذلك من خلال نتيجتين : الأولى هي تقسيم التركة بطريقة متساوية بين كل الأبناء عكس ما كان في السابق، حيث كانت تنتقل كاملة إلى الابن الأكبر من جيل إلى جيل، فتحافظ الأسرة الأرستقراطية على الروابط العاطفية التي تربطها بالأرض، وتميزها عن غيرها من الطبقات، أما النتيجة الثانية فلها أثر على عقول الورثة، حيث تحرِّك فيهم الرغبة في بيع إرثهم لتحقيق الربح المادي، فحسب قول الكاتب :”يعمل القانون على تقسيم التركة بالتساوي بطريقتين : فبتأثيره في الأشياء يؤثر في الأشخاص أنفسهم، وبتأثيره في الأشخاص يؤثر في الأشياء، وبهاتين الوسيلتين كلتيهما ينجح في تقويض الأساس الذي تقوم عليه الملكية العقارية “.
وقد ظهرت نتائج هذا القانون فعلا فلم يبقَ للأرستقراطية وجودٌ قوي، و لم يتبقَ منها إلا بعض الأسر القليلة التي احتفظت بخصائصها المحافظة، ففي ولاية نيويورك التي كانت تضم عددا كبيرا من أسر كبار الملاك لم يتبقَ سوى أسرتين تفتخران بنسبهما و بألقابهما.
والمساواة لم تقتصر على الثروة فقط، بل تجاوزتها إلى التساوي في العلم، فالتعليم الابتدائي كان متوفراً لكل إنسان، غير أن المستوى التعليمي لدى أغلب الأمريكيين لا يصل إلى المستوى العالي بسبب انشغالهم بمزاولة المهن المختلفة .
يقول الكاتب :”الأمم تبذل جهودًا كبيرة للحصول على الحرية, و إن لم يحصلوا عليها أصابهم الفشل، و إنهم ليؤثرون الموت على أن يفقدوها” وانطلاقا من هذه العبارة خلص دي توكفيل إلى أن الحرية هي هم المجتمع الأمريكي، وأنهم يفضلون الموت على فقدانها، فهي تعتبر من أهم نقاط القوة في الديمقراطية الأمريكية, والأمريكيون في نظر ديتوكفيل أمة محظوظة بسبب الإفلات من سلطة الرجل الواحد, فدستور 1787م حرص على عدم امتلاك رئيس الولايات سلطات مطلقة.
يرى مؤلف الكتاب أن سيادة الشعب في أمريكا ليست بالمبدأ العقيم، ولا هو بالمستور الخفي، كما هو الحال في بعض الأمم، فقد أقرّه العرف وأعلنته القوانين، وينشر في أمريكا بحرية كاملة ويصل بدون عائق إلى أبعد ما يمكن أن يصل إليه من النتائج المترتبة عليه. ويضيف قائلا:” فإن كان ثمة بلد في العالم يستطيع المرءُ فيه أن يقدر مبدأ سيادة الشعب حق قدره، ويدرسه فيما يطبق عليه من شؤون المجتمع، ويتيسر له الحكم على ما فيه من أخطاء وما له من مزايا فهذا البلد هو أمريكا، وهذا كلام يدل على انبهار كبير بالتجربة الأمريكية، وقد يكون صادقاً في العصر الذي ألف فيه الكتاب، لكنه ليس كذلك في كل العصور.
يؤكد المؤلف ـ كما سبق ـ أن مبدأ سيادة الشعب يسيطر على المجتمع الأمريكي بأسره، وأن الأمريكيين طبقوه حتى قبل قيامهم بالثورة، وأنه مبدأ فاعل وليس بالعقيم في هذا البلاد بعكس استعماله خارجها من قبل بعض المستبدين وأصحاب المصالح الشخصية، على أن الثورة الأمريكية طوَّرت هذا المبدأ ووسعت شروط الانتخاب بالتدريج.
ولم يكن باستطاعة هذا المبدأ أن يظهر في المستعمرات الإنجليزية في أمريكا منذ نشأتها لأنها كانت مضطرة للإذعان للدولة الأم، وهو ما أدى إلى بقاء نوع من الارستقراطية في ثقافة وثروة بعض المناطق، ولم يكن جميع المواطنين يتمتعون بحقوق الانتخاب، ولم يكن جميع الموظفين منتخبين كذلك، وقد كان الانتخاب خاضعاً لشروط مالية باهظة في الجنوب على وجه الخصوص.
أما بعد اندلاع الثورة فقد صار مبدأ سيادة الشعب موضع مناصرة من جميع الطبقات، وقامت معارك وانتصارات باسمه، حتى صار قانون القوانين الذي كتب للثورة الانتصار النهائي، وشرعت الأمة في تعديل شروط الانتخابات لتبدأ في إزالة القيود المفروضة عليها شيئا فشيئا، ومع كل توسع جديد في هذا التعديل تزداد قوة الديمقراطية وتزداد قوتها مع ازدياد قوتها.
ويذكر المؤلف أن سيادة الشعب في العصر الذي كتب فيه هذا الكتاب قد تطورت وتخلصت من جميع الأساطير، بحيث كان الشعب كله أحيانا يسهم في القوانين كما هو الحال في أثينا، وأحيانا يقوم ممثلو الشعب المنتخبون بالتصويت العام نيابة عنه وتحت إشرافه.
يتضح من خلال دراسة الممارسة الديمقراطية للمجتمع الأمريكي لمبدأ سيادة الشعب، شكل الحكومة ووسائلها والعقبات التي قامت في سبيلها ومميزاتها، و من هذه الخصائص الملاحظة أن دستور الولايات المتحدة يفصل بين الحكومة الفيدرالية و حكومة الولاية، وهو ما يقضي على المركزية ويعزز حرية الولايات، فإحدى الحكومتين كما يقول الكاتب ” تضطلع بالواجبات العادية غير المحدودة، أما الحكومة الأخرى فعملها محصور في نطاق معين ولا تمارس سلطاتها غير العادية” وبالرغم من ذلك فإن هذا الدستور معقد لتكونه من نظامين اجتماعين أحدهما داخل الآخر، ويعود السبب إلى هذه الازدواجية المعقدة، فلو حرص الأمريكيون على إلغاء المركزية دون أن يرتبطوا بالنظام الفيدرالي لما وقعوا في شراك التعقيد وليكسبوا ميزات اللامركزية ولم يقعوا في مساوئها، وربما كان اتساع رقعة القارة الأمريكية وارتفاع عدد سكانها قد أسهم في استمرارهم على هذا النمط الدستوري غير المرضي أحيانا.
وقد بدأ المؤلف دراسته بذكر أحوال وحدة الحكم المحلي، لأن نظام القرية موجود في كل الأمم، والإنسان هو الذي يقيم الملكيات، وينشئ الجمهوريات، ولكن صعوبة إقرار استقلال وحدة الحكم المحلي تزداد بازدياد ثقافة أهليها، كما يقول الكاتب، وذلك أن الامتيازات التي حصلت عليها وحدات الحكم المحلي قد لا تجد من يحميها من اعتداء السلطات العليا عليها.
ولما كانت الواجبات العامة في وحدة الحكم المحلي كثيرة كان لابد من توزيعها على المنتخبين بحسب اختصاصاتهم، حيث تفرض قوانين الولاية عليهم واجبات معينة يؤدونها دون الرجوع إلى أي سلطة أعلى، فإذا أرادوا استحداث مشروع جديد ـ كإنشاء مدرسة مثلا ـ رجعوا إلى المصدر الذي يستمدون منه قوتهم، وهو في هذه الحالة جمعية الناخبين العامة التي يشرحون أمامها الضرورة التي دعتهم إلى إنشاء هذا المشروع والوسائل المعينة على إنشائه، والنفقات المطلوبة، والمكان المناسب للتنفيذ، فإذا وافقت الجمعية على المبدأ تؤخذ الأصوات على الضرائب اللازمة لتمويل المشروع ، وتتعهد وحدة الحكم المحلي بتنفيذ المشروع، و يمكن أيضا انعقاد الجمعية العامة إذا طلب منهم عشرة من المواطنين يريدون أن يعرضوا مشروعاً جديدًا. فالمواطن في أمريكا حسب دي توكفيل هو حر وسيد نفسه ومسؤول أمام الله وحده في كل ما يتصل بشؤونه الخاصة.
إن استقلال البلديات في الولايات المتحدة يعد إذن نتيجة طبيعية من نتائج مبدأ سيادة الشعب هذا نفسه, والولاية هي التي تقرر الضرائب بطريقة أخذ الأصوات عليها, لكن وحدة الحكم المحلي تقوم بفرضها وجبايتها, من أجل تقديم خدمات عامة, ففي حين يتسلم جابي الدولة في فرنسا الضرائب المحلية, نجد في أمريكا أن الذي يتسلم ضرائب الولاية هو جابي وحدة الحكم المحلي وهذا أحد الاختلافات بينهما.
ولبيان تأثير روح الديمقراطية في وجدان الكاتب نراه يوضح وحدات الحكم المحلي في نيو إنجلند فيقف عند ميزتين تستثيران اهتمام الناس في نظره هما الاستقلالية والسلطة، والعمل في هذا المجال ـ كما يقول ـ لا يحده شيء، كما أن رغبات الناس تميل إلى القوة والسلطان، فالوطنية لا تدوم في ظل أمة مقهورة على أمرها، ويعبر الكاتب عن العلاقة بين المواطن الأمريكي ووحدته المحلية فيقول إن كل مواطن نيو إنجلندي يتعلق بوحدته للحكم المحلي، لأنها مستقلة وحرة، وتكفل له المشاركة في شؤونها.
ويقول الكاتب إن وحدة الحكم المحلي أصغر من أن تضم مؤسسة قضائية، وبالتالي فأن المقاطعة هي النواة الأولى للشؤون القضائية، ففي كل مقاطعة قضاء يتكون من محكمة وشريف وسجن لاعتقال المجرمين، كما أن المقاطعة تتولى تسيير بعض الشؤون التي تهم كل وحدات الحكم المحلي المنضوية تحتها، ورغم ذلك فلها سلطات محدودة واستثنائية.
وفيما يخص الإدارة وصف الكاتب كونها غير مرئية، ففي أمريكا هناك قوانين مسطورة يشاهد تنفيذها كل يوم، فالذي يسهر على تنفيذ القوانين (خفي لا يرى)، فموظفون في البلدية هم الذين ينفذون قوانين الولاية أو يراقبونها، ثم يوضح الكاتب أن تقوية السلطة المحلية غالبا ما يكون للتقليل من قوة السلطان العليا التي يقترح منها طريقتين: أولهما إضعاف السلطة العليا من حيث مبدؤها ذاته، وذلك بحرمان الجماعة من العمل على الدفاع عن كيانها في أحوال معينة، كما هو في أوربا. أما الثانية فبتوزيع ممارسة السلطة على أشخاص كثيرين، وبالاستكثار من الموظفين الذين يُعهد إلى كلِّ منهم بالقدر الضروري من السلطة الذي يمكنه من أداء واجبه، ولكن هذا التوزيع أبعد من أن يكون في ذاته فوضى. ويؤكد ألكسيس أنه لا يوجد بلد في العالم يتمتع القانون فيه بلغة مطلقة مثل أمريكا، ولا يطبق القانون في أيدي كثيرة بمثل ما يوضع في أمريكا.
ويقف الكاتب باهتمام عند القول بأن الموظف المنتخب في أمريكا لا يتسنى عزله ولا يمكن ترقيته إلا بعد انتهاء مدته التي حددت له، فلا يخشى هذا الموظف المنتخب سطوة أحد سوى الذين انتخبوه، أما المحاكم فهي الواسطة الوحيدة التي يمكن أن تقوم بين السلطة المركزية وبين الهيئات الإدارية، وهي وحدها التي تستطيع أن تجبر الموظفين الإداريين على احترام القانون, ولا بد من تظافر الإدارة والقضاء في تسيير أمور الولايات، وفي هذا الصدد ركز الكاتب على نظام قضاة الصلح الذي قال إنه غير موجود في أوروبا، و قاضي الصلح هذا يكون وسطاً بين القاضي وبين الموظف المدني.
وكلما انحدرنا جنوبا قل نشاط العمل في وحدة الحكم المحلي، وكذلك موظفوها وحقوقها وواجباتها تقل، مع العلم أن سلطة الموظف المنتخب تزداد في حين تنقص سلطة الناخب، وبذلك تصبح روح الجماعات المحلية أقل تيقظاً وأقل نفوذاً، وكلما صعدنا نحو الشمال الغربي تزداد نشاطات وحدة الحكم المحلي بحكم أن السكان الذين استوطنوا الولايات الشمالية خرجوا من نيو إنجلند بعادات بلادهم الأم الإدارية، وأقاموها في البلد الذي يستقرون فيه.
وفيما يخص الولاية فهي تتكون من سلطتين, سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، فالسلطة التشريعية تتوزع إلى مجلسين مجلس الشيوخ و مجلس النواب، ويعتبر مجلس الشيوخ بمثابة هيئة قضائية وتنفيذية، وينظر في القضايا السياسية و المدنية، ويضم عددًا قليلاً من الأعضاء، ولا يعتبر تقسيم السلطة التشريعية إلى قسمين خلق أرستقراطية وراثية، حيث لم يكن هدفهم أن يخلقوا من أحد القسمين حصنا للسلطة، على حين يمثل القسم الثاني مصالح الشعب، ولكن كان الهدف من هذا التقسيم هو الرقابة على الحركات السياسية، فضلا عن إيجاد محكمة استئناف لمراجعة القوانين وتعديلها، أما مجلس النواب فله وظيفة تشريعية فقط وقد يوجه التهم لبعض الموظفين أمام مجلس الشيوخ.
وتتركز السلطة التنفيذية في يد شخص يسمى الحاكم، ويعتبر الموظف الأعلى داخل الولاية والمستشار الرسمي، ويعمل على التخفيف من الإسراف في مجال التشريع عن طريق حق الرفض بالفيتو، ويتجلى حضور الحاكم في الولاية على إشرافه على القوات المسلحة في الولاية وقيادته لها، وقد أدى هذا التعدد في مجالس الشيوخ والنواب في إحدى وخمسين ولاية أمريكية إلى عدد كبير من الموظفين المنتخبين وغير المنتخبين الذين يؤدون أعمالا متشابهة في كل الولايات، ولولا اتساع رقعة القارة واعتبار ولاياتها دولا تفوق بمواردها وعدد سكانها الكثير من دول العالم لكان هذا النظام طامة كبرى على الاقتصاد والوفاق والتعايش الوطني، وذلك عكس اللامركزية غير الضيقة التي تستفيد من مزايا الاستقلال والاندماج في الوقت نفسه.
وقد لعبت اللامركزية في أمريكا دورًا أساسيًا في تنامي الديموقراطية عن طريق إيجاد مكان تمارس فيه الحرية ومبدأ سيادة الشعب، حيث ركز الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية على تفتيت السلطة حتى لا تتركز في يد واحدة، والإفراط في اللامركزية مما أدى إلى تنامي الحرية المحلية.
- تناول أليكسيس دي توكفيل العديد من المفاهيم وسنستعرض آرائه حول مفهوم الحرية حيث يقول: الأمم تبذل مجهودا للحصول على الحرية وان لم يحصلوا عليها أصابهم الفشل وإنهم لا يؤثرون الموت على أن يفقدوها.
- الحرية وحدها قادرة على جعل الثورة الديمقراطية ثورة مفيدة للإنسانية.
- الحرية وحدها قادرة على جعل الثورة الديمقراطية ثورة مفيدة للإنسانية.
- أعتبر الشعب الأمريكي محظوظ لانفلاته من سلطة الرجل الواحد فدستور 1787 حرص على عدم امتلاك رئيس الولايات صلاحيات مطلقة.
- المساواة عند أليكسيس هي منح كل الحقوق لكل المواطنين أو عدم منح شيء منهما لأحد.
- دستور الولايات المتحدة يفصل بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية: القضاء على المركزية وتعزيز الحرية
- يقول أليكسيس أيضا لا يوجد بلد في العالم يتمتع فيه القانون بلغة مطلقة مثل أمريكا، وفي أيادي كثيرة
- لا يمكن عزل الموظف من طرف السلطة العليا في أي حال من الأحوال قبل نهاية ولايته
- لا يمكن عزل الموظف من طرف السلطة العليا في أي حال من الأحوال قبل نهاية ولايته
- قالت امرأة في أول لقاء لها مع” هنري جمس“إنها لم تر أبدا رجلا” يتمتع ببصيرة كبصيرة توكفيل
- من أقواله أيضا ”في السياسة غالبا ما تسود قاعدة: أن عدو عدوي صديقي
- التاريخ هو معرض لوحات فيه القليل من اللوحات الأصلية، والكثير من اللوحات المقلدة
- بعدد من العبارات التي أصبحت نبوئية، فأغلبها دحضت وأخرى لازالت ومنها قوله ” أن الولايات المتحدة وروسيا هما الدولتان اللتان من المرجح أن تتصارعا على الهيمنة في القرن القادم“
- لا وجود للديمقراطية بلا مساواة، كما أن المساواة بلا حرية من شأنها أن تؤدي إلى هلاك بشري
- كتب أحد النقاد في مجلة نيويورك تايمز بوك ريفيو ”من القواعد السليمة التي استقيتها من خبرتي في تقيم الكتب السياسية الاجتماعية أنه كلما تكرر اسم ”توكفيل“ كان الكتاب مملا وسطحيا“
- قال“ أحيانا يساهم اقتران العقل العظيم بروح ضعيفة في زيادة ضعفه إذ أن الملكات الرائعة تلبس جبن الروح زينة المبررات وتضفي عليه البريق“ هل يمكننا الاتفاق على أن هذا تعليل لاتسام الآراء السياسية لكثير من المفكرين بالحماقة؟ كما يقال أصاب توكفيل مرة بعد الأخرى
- تم إغفال المجازر بين المستعمرين الأوروبيين والسكان الأصلين: حيث تم دفعهم في اتجاه الغرب
- و قد أذكت بعض الأيديولوجيات هذه الحروب مثل فكرة: ”القدر المتجلي“ أي أن الولايات كتب لها أن تمتد من الساحل إلى الساحل على القارة الأمريكية بالتالي نزعت الأراضي من الهنود الحمر.
البعض من المراجع المعتمدة
[1] - د. حنان علي عوضة، 2013،
" السلطة عند ماكس فيبر"
، مجلة الأستاذ العدد 206 المجلد الأول 2013، جامعة بغداد ، قسم الفلسفة.
2 - عبد الرحمان عبد الله،
" تطور الفكر الإجتماعي"
دار المعرفة الجامعية، مصر، الإسكندرية.
3_ رضوان السيد،
" المجتمع والسلطة، إشكالية الإستمرار والوحدة"
مجلة الفكر العربي، عدد 33- 34.
4 _ فيبر ماكس،
" العلم والسياسة بوصفها حرفة"
، ترجمة جورج كتورة، مراجعة رضوان السيد،
المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2011، بيروت.
5_ ماكس فيبر،
"الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية "
ترجمة محمد علي مقلد، مراجعة جورج أبي صالح، رأس بيروت- المنارة- نيابة الغاخوري.
Commentaires