المقالات والمحتويات

قصص قصيرة

التواضع والكبرياء في الاسلام


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أراد فقدر،  وملك فقهر، وخلق فأمر وعبد فأثاب، وشكر، وعصي فعذب وغفر، جعل مصير الذين كفرو إلي سقر، والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر، ليجز الذين كفرو بما عملو، والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير يارب.

رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلي من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. يا سيدي يا رسول الله :أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما

وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
فموضوعنا اليوم هو الحديث عن التواضع باعتباره من الخصال الحميدة التي يتصف بها البشر،وكذا الحديث عن التكبر باعتباره مرادف للكلمة التواضع، وسنحاول بفضل الله تعريف كل من التواضع والتكبر كل على حدة، وفضائل كل واحد منهما، وفي الأخير سنوضح بإذن الله وحفظه كيف كان الرسول صلى الله عليه  وسلم  متواضعا.
قال تعالى : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً".
وقال تعالى : " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق" الأعراف آية 164.‏
وقال تعالى : " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " إبراهيم آية 15 .‏
وقال تعالى : " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " غافر آية 35 .‏
وقال تعالى : " إنه لا يحب المستكبرين  "  النحل آية 23
1-   مفهوم التواضع والتكبر أو الكبرياء.
التواضع خلق حميد، وجوهر لطيف يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير وهو من أخصّ خصال المؤمنين المتّقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شِيَم الصالحين المخبتين. التواضع هدوء وسكينة ووقار واتزان، التواضع ابتسامة ثغر وبشاشة وجه ولطافة الخلق وحسن معاملة، بتمامه وصفائه يتميّز الخبيث من الطيب، والأبيض من الأسود والصادق من الكاذب.
التواضع نوعان..
1-   محمود، وهو ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم.
2-   مذموم، وهو تواضع المرء لذي الدنيارغبة في دنياه.
فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها.
1-2- صفات التواضع:
1-   اتّهام النفس والاجتهاد في علاج عيوبها وكشف كروبها وزلاتها { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }.
2-   مداومة استحضار الآخرة واحتقار الدنيا، والحرص على الفوز بالجنة والنجاة من النار، وإنك لن تدخل الجنة بعملك، وإنما برحمة ربك لك.
3-   التواضع للمسلمين والوفاء بحقوقهم ولين الجانب لهم، واحتمال الأذى منهم والصبر عليهم { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِين }.
4-   معرفة الإنسان قدره بين أهله من إخوانه وأصحابه ووزنه إذا قُورن بهم « ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً». رواه مسلم.
5-   غلبة الخوف في قلب المؤمن على الرجاء، واليقين بما سيكون يوم القيامة    { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ }.
6-   التواضع للدين والاستسلام للشرع، فلا يُعارض بمعقول ولا رأي ولا هوى.
7-   الانقياد التام لما جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، وأن يُعبد الله وفق ما أمر، وأن لا يكون الباعث على ذلك داعي العادة.
8-   التواضع في للوالدين ببرّهما وإكرامهما وطاعتهما في غير معصية، والحنو عليهما والبِشْرُ في وجههما والتلطّف في الخطاب معهما وتوقيرهما والإكثار من الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.
9-   التواضع للمرضى بعيادتهم والوقوف بجانبهم وكشف كربتهم، وتذكيرهم بالاحتساب والرضا والصبر على القضاء.
10-                    تفقّد ذوي الفقر والمسكنة، وتصفّح وجوه الفقراء وذوي التعفف والحياء في الطلب، ومواساتهم بالمال والتواضع لهم في الحَسَب، يقول بشر بن الحارث: "ما رأيت أحسن من غني جالسٍ بين يدي فقير".
1-   3- كيف كان الرسول  صلى الله عليه وسلم متواضعاً ؟
أولاً: يخدم نفسه بنفسه صلى الله عليه وسلم:
كان من تواضعه صلى الله عليه وسلَّم أنه يخدم نفسه بنفسه ..
شخص يحمل طعام أولاده ، فاشترى خضاراً وفواكه ، وحملها بنفسه ، يزداد عند الله رفعة ..
قالت عائشة رضي الله عنها:
كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ ، [من مسند أحمد : عن السيدة عائشة].
ثانياً: عمله عمل أهل بيته صلى الله عليه وسلم :
قالت عائشة رضي الله:
" كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ" [مسند أحمد]
أي إذا غسل الإنسان في بيته صحناً ، أو رتّب غرفة ، أو نقل حاجة من مكان إلى مكان ، هذا لا ينتقص من قدره أبداً ، هكذا كان عليه الصلاة والسلام .
قالت عائشة رضي الله عنها:
كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ [من صحيح البخاري : عن السيدة عائشة]
ثالثا: زيارته للمرضى والفقراء:
عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطبَ فَقَالَ:
" إنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِمُونِي بِهِ عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ".
والله يا إخوان مهما قلت لكم عن أثر عيادة المريض فربما لا أكون مبالغاً ، فإذا كان لك أخ أقل منك شأناً ، ومريض ، وذهبت بنفسك وعدَّته ، ومعك هديَّة لطيفة ، فهذه الزيارة وهذه العيادة تترك في نفسه أعظم الأثر ، فهناك زيارات من عمل الدنيا وزيارات من عمل الآخرة ؛ أن تزور ضعيفاً ، مسكيناً ، فقيراً ، متواضعاً ، إنساناً مغموراً أن تزوره ، و أن تعوده ، أن تلبِّي دعوته ، أن تجلس معه ، أن تلاطفه ، أن تؤانسه ، أن تتواضع له ، أن تأخذ بيده هذا من عمل الآخرة .
التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس، وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وينشر الترابط بينهم، ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإن التواضع يؤدي إلى رضا المولى -سبحانه.
قال الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم]، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تواضع لله رفعه الله) [أبو نعيم]. وقال الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) [مسلم].
2-   التكبر مفهومه، صفاته، وكيفية التغلب عليه:
2-1- مهفوم التكبر:
هي ارتفاع في القلب. هي حالة شخص يكبر في عيني نفسه، ويريد بالأكثر أن يكبر في أعين الناس.
وهى على نوعين: احدهما عجرفة في المظهر الخارجي: في الملبس، في الملامح، في طريقة الكلام، في المشي أو في الجلوس. هي نفخة خارجية، كأن يتكلم بنوع من التعالي، أو ينظر في عظمة، أو يجلس في عنجهية.. أو يتخير المكان البارز.. كلها كبرياء في الظاهر.
ومن صور التكبر نجد:
ومن الناس من يتكبر بعلمه، ويحتقر غيره، ويغضب إذا رده أحد أو نصحه، فيهلك نفسه، ولا ينفعه علمه، ومنهم من يتكبر بحسبه ونسبه، فيفتخر بمنزلة آبائه وأجداده، ويرى الناس جميعًا أقل منزلة منه، فيكتسب بذلك الذل والهوان من الله.
ومن الناس من يتكبر بالسلطان والجاه والقوة فيعجب بقوته، ويغتر بها، ويعتدي ويظلم، فيكون في ذلك هلاكه و وباله.
ومنهم من يتكبر بكثرة ماله، فيبذِّر ويسرف ويتعالى على الناس، فيكتسب بذلك الإثم من الله ولا ينفعه ماله.
2-2- جزاء المتكبر:
حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكبر، وأمرنا بالابتعاد عنه، حتى لا نُحْرَمَ من الجنة فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)
رواه مسلم وأبو داود والترمذي. وقد خسف الله الأرض برجل لتكبره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في حُلَّة (ثوب) تعجبه نفسه، مُرَجِّل جُمَّتَه (صفف شعر رأسه ودهنه)، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة) [متفق عليه].
ويقول صلى الله عليه وسلم: ( يُحْشَرُ المتكبرون يـوم القيامة أمثـال الذَّرِّ (النمل الصغير ) في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولُس، تعلوهم نار الأنيار، يُسقَون عصارة أهل النار طِينَةَ الخبال) [الترمذي]، ويقول صلى الله عليه وسلم : (حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) [البخاري].
فليحرص كل منا أن يكون متواضعًا في معاملته للناس، ولا يتكبر على أحد مهما بلـغ منـصبه أو مالـه أو جاهه؛ فإن التواضع من أخلاق الكرام، والكبر من أخلاق اللئام، يقول الشاعر:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كالنَّجْمِ لاح لِنَاظـِـــرِ
على صفحـات المــاء وَهْوَ رَفِيــعُ
ولا تَكُ كالدُّخَانِ يَعْلُـــو بَنَفْسـِـــهِ
على طبقــات الجـوِّ وَهْوَ وَضِيــعُ
وفي الأخير أدعو الله عز وجل أن يجعنا من المتواضعين له ولعباده، وألا يجعلنا ويكتبنا من المتكبرين، كما أدعو جميع الأصدقاء بالقيام بزيارة المرضى ومساعدة المحتاجين والفقراء للأنها تعتبر من التواضع، والتخلي عن هذه الأخيرة يعتبر تكبر .

Commentaires