الساحل : إشكالية التعريف والتحديد.
يتميز الساحل بإمكانيات طبيعية متنوعة، جعلته ذو أهمية إيكولوجية كبيرة، تترجم أساسا في الكائنات البحرية القارية منها والمائية، وتعدد الموانئ، والتجهيزات السياحية، فهذا المجال الحيوي أصبح محط أنظار جل المستثمرين حواء كبارهم وصغارهم، وموضع لرهانات متعددة. كما أن هذا المجال الساحلي يفتقد إلى تحديد أدق وموحد، إذ مازال يعاني من الإبهام والغموض خاصة فيما يخص مجاليه البحري والقاري، لذلك وجب علينا إلقاء نظرة عن هذا المفهوم ومحاولة تحديده انطلاقا من الدراسات السابقة والمقالات التي حاولت تحديد مدلول هذا المكون المهم في خلق توازنات بيئية بين المجال البحري والمجال القاري الذي يحيط به فما هو الساحل؟ وما هي حدوده وخصائصه المجالية؟
كلمة الساحل هي ذات أصل عربي، تقابلها في اللغة الفرنسية Littoral، والجوانب rivage أو côte الهوامش البحرية. " ويعتبر الساحل خط المواجهة بين القارة والبحر، وهو بمثابة شريط يمتد عدة كيلومترات نحو اليابسة مشكلا منظومة بيئية بالغة الهشاشة والتكامل، كما يشكل نافذة على العالم الخارجي، لأنه كان منذ غابر العصور مجالا للاستيطان البشري ولأنشطته الاقتصادية والتجارية. وكانت الحياة بالسواحل تتم في إطار من التوازن مع الطبيعة" . كما حدد Robert kay الساحل (Coast) بأنه " المنطقة بين الأرض والبحر أو الخط الفاصل بين الأرض والبحر وتعتبر هذه المنطقة مجال متحرك غير ثابت المساحة نظرا لعوامل المد والجزر". كما عرف أيضا المنطقة الساحلية (Coastal Area ) على أنها " النطاق الذي يربط اليابس بالمحيط وهذه المنطقة تقام فيها استعمالات الأراضي والتي تؤثر في منطقة المحيط والعكس صحيح، فهي غير محددة العلو والعرض والعمق" .
ونجد في كتاب "مقدمة في إدارة المناطق الساحلية" لتيموثي بيتلي (Timothy Beately) يعرف المناطق الساحلية بأنها " مناطق متحركة فهي منطقة تداخل بين الأرض والماء والغلاف الجوي أيضا وجميعها تتفاعل مع بعضها في نظام وتوازن، وهذا النظام يمكن أن يتغير بتأثير الطبيعة أو من البشر" وهذا ما يؤكد على أرض الواقع، فالامتداد الساحلي من الممكن أن يتأثر بالأنشطة البشرية التي تقيم فوقه من استثمارات التي تمتد للأميال داخل مياه البحر.
وقد قسم الكاتب Timothy Beately المنطقة الساحلية إلى قسمين: المنطقة الأولى جافة تتضمن التكوينات الأرضية من تلال وكثبان رملية، مصبات الأنهار والبحار، والثانية رطبة وتتكون من المياه والأرض بما فيها الشاطئ والمياه الضحلة، ويمكن أن يستمر إلى مياه المحيط في أعماقه. ويوضح الرسم التخطيطي أسفله أجزاء المنطقة الساحلية حسب تيموثي بيتلي.
الشكل رقم 1: أجزاء المنطقة الساحلية كما أوضحها تيموثي بيتلي
Timothy (Beately) and Others, 2002, " An Introduction to Coastal zone Management", P 13.
وقد عرفت الخطة الزرقاء Blue Plan والساحل لا يتحدد فقط في الخط الذي يفصل البحر عن الأرض بل إن امتداده حسب تاريخ المجتمعات. فهو يتأثر بالعوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية وكذا الثقافية. وهو بشكل عام يمتد إلى من المياه الضحلة بعمق 50 ميلا، وهو المجال الذي يقل فيه التمثيل الضوئي للحياة النباتية. وعلى جانب اليابس نجد العناصر الطبيعية من الدلتا والكثبان الرملية، والغابات والمجالات الفلاحية والسكنية. (أنظر الشكل رقم 2).
شكل رقم 2: حدود الساحل كما وضعتها الخطة الزرقاء
Guillaume (Benoit) et autre, 2005, “ les perspectives du Plan Blue sur l’Environnement et Développement“, P
304
ومن الناحية القانونية نجد أن قانون رقم 31.06 حدد الساحل على أنه " المنطقة الساحلية المكونة من شط البحر ومن المياه الإقليمية كما حددتها مقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 بتاريخ 26 من محرم 1393( 2 مارس 1973) المعينة بموجب حدود المياه الإقليمية، ومن الملك العام البحري، وكذا من مصبات الأنهار والخلجان والبرك والسبخات والبحيرات والمستنقعات المالحة والمناطق الرطبة الساحلية والمتصلة بالبحر". أما تعريف المنطقة الساحل حسب بروتوكول بشأن الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط نجدها تعني " المنطقة الجيومورفولوجية الواقعة على كلا جانبي شاطئ البحر والتي يحدث فيها التفاعل بين الأجزاء البحرية والبرية على شكل نظم إيكولوجية ومواردية معقدة مؤلفة من عناصر إحيائية ولا إحيائية تتعايش وتتفاعل مع المجتمعات المحلية البشرية والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المعنية".
وبهذا يكون لمفهوم الساحل تحديدات ودلالات متباينة كل يعرفه حسب رأيه وأبعاده، ليكون من الضروري على الباحثين الجغرافيين بدل المزيد من الجهود لتحديد عرض وطول السواحل، ليكون التدخل فيها مرعيا شروط المحافظة عليها، وعدم الإضرار بمكوناتها الطبيعية، وبالتالي الإخلال بمنظومتها الهشة، فعدم وصول المهتمين إلى تحديد دقيق وموحد لهذه السواحل جعلها تشهد مجموعة من الاختلالات كاحتضانها أكبر المشاريع الكبرى غير المراعية للشروط البيئة كالمصانع الملوثة والموانئ بنوعيها الضخمة والصغرى، وكذا الأنشطة السكنية والسياحية. لهذا سيبقى على عاتقنا بذل المزيد من المجهودات لتحديد هذا المكون الحساس ووضع قوانين للحفاظ على جل إمكاناته الطبيعة غير المتجددة.
Commentaires