المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية
مقدمة
إن تنظيم المجال الحضري رهين بتنظيم
استعمال السطح، وتعتبر وثائق التعمير إطارا قانونيا للتخطيط الحضري، وأداة أساسية
لاستغلال الأراضي الحضرية وضمان حسن استعمالها على المدى القريب والبعيد، وتتنوع
الوثائق المستعملة لإنجاز عمليات التعمير المرتقبة لمختف المناطق. فقد كانت إلى
عهد قريب تقتصر على تصميم التنطيق وتصميم التهيئة للمناطق الحضرية وتصميم التنمية
كوثيقة خاصة بالمراكز القروية. لكنه تم بعد ذلك تعزيز هذه الترسانة القانونية في
مجال التعمير بوثيقة أساسية هي المخطط التوجيهي للتهيئة الحضرية.
ويعد مخطط توجيه التهيئة العمرانية وثيقة
توقعية توجيهية غايتها إقامة التوجهات الأساسية في مجال تنظيم التجمعات العمرانية
وتحديد متطلبات التوسع العمراني ومستلزمات ممارسة الأنشطة الاقتصادية والمحافظة
على تجانس المنظر العام داخل هذه التجمعات، فهو إذن بمثابة إطار لتحديد التوجهات
الكبرى المتخدة لأجل تدبير تنمية المجال الترابي الذي سيخضع لأحكامها. فالتعمير
التوقعي يهدف إلى إعداد وثائق التخطيط والتظيم التي تجد في التعمير العملياتي طرق
تطبيقها.
ولقد ظهرت هذه الوثيقة التعميرية أول
الأمر في فرنسا عند صدور قانون التوجيه العقاري الصادر في : 31 دجنبر 1967 وكان
يطلق عليها التصاميم المديرية للتهية والتعمير، ونقلها عنها مشروع قانون الاطار
للتهيئة الحضرية والقروية الذي تم إعداده في بحر سنة 1970وسماها المشروع المغربي
التصاميم المديرية وجاء التصميم الخماسي ( 1981، 1985) وأطلق عليها التصميم
المديري للتهيئة الحضرية، وقد سماها قانون 1984 المتعلق بالدار
البيضاء التصميم التوجيهي للتهيئة الحضرية، ثم جاء القانون الجديد للتعمير ليسميها
المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية. والذي يتمثل في قانون رقم 12-90 الصادر
بتنفيذه ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بالتعمير ، وعليه فإن العديد من المدن
المغربية كانت خاضعة في تدبيرها العمراني لتوجهات هذه الوثيقة التي لم يكن لها
أساس قانوني.
وتظهر أهمية المخطط التوجيهي للتهيئة
العمرانية في كونه ليس قرارا تنظيميا عادي ذو طابع تقليدي وذلك نظرا للمسافة
الكبيرة التي يسري عليها، وعمومية مقتضياته استوجب البحث في نظامه القانوني
المتميز و آثار مقتضياته. من هنا تنطرح عدة أسئلة من قبيل: مجال تطبيق هذا المخطط
في قانون التعمير الحالي؟ وما هي أهدافه وغايته وما هي السلطات المكلفة بإعداد
محتواه؟ وما هي الأثار المترتبة عن تطبيقه إزاء الأفراد والادارة؟ وما هي
المستجدات التي جاء به مشروع القانون المرتقب؟ من هنا سنقسم الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: نطاق ومحتوى المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية
المبحث الثاني: دراسة وآثار المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية
المبحث الأول: نطاق ومحتوى المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية
المطلب الأول: نطاق التطبيق والغرض من
المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية
سنخصص الحديث في إطار هذا المطلب عن نطاق
تطبيق المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية في فقرة أولى والغرض منه في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: نطاق تطبيق المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية
جاء في المادة 2 من قانون 12-90 المتعلق
بالتعمير النص على " أن مخطط توجيه التهيئة العمرانية يطبق على رقعة أرضية
تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية بسبب الترابط القائم بين مكوناتها في
المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية " وعلى أن هذه الرقعة " يمكن
أن تشتمل على جماعة حضرية أو عدة جماعات حضرية ومركز محدد أو عدة مراكز محددة،
وكذلك إن اقتضى الحال، على بعض أو جميع جماعة قروية أو جماعات قروية مجاورة".
وقد أوردت المادة الأولى من نفس القانون
تعريف لكل من الجماعات الحضرية والمراكز المحددة، حيث عرفت الجماعات الحضرية بأنها
البلديات والمراكز المتمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي المسماة "
المراكز المستقلة" وكما نعلم فإن هذه الأخيرة قد ألغيت في إطار التقسيم
الاداري الأخير للمملكة بينما عرفت المراكز المحددة بأنها أجزاء من جماعات قروية
تعين حدودها السلطة التنظيمية
.
وما يلاحظ في هذا المستوى هو أن قانون
التعمير قد حدد نطاق تطبيق هذا المخطط ونطاق تطبيق باقي أدوات التعمير الأخرى في
دائرة الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والجماعات القروية، لأجل ذلك وقبل البحث
في غرض مخطط توجيه الهيئة العمرانية سنتعرض للمعايير المعتمدة بين هذه الوحدات
الترابية حيث توجد عدة معايير من بينها:
المعيار الاحصائي : بموجب هذا المعيار فإن التمييز بين التجمعات الحضرية
الكبرى والصغرى والتجمعات القروية يتم على أساس الكثافة السكانية إلا أنه لا يوجد
مع ذلك معيار عام مطلق حول الكثافة التي يمكن ابتداء منه القول بأن الأمر يتعلق
بتجمع حضري كبير أو متوسط أو صغير أو تجمع قروي. فالجمعية العامة للمعهد الدولي
لإحصاء مثلا تؤكد بأن التجمعات التي تحتوي على ساكنة تصل أو تفوق 2000 نسمة تعد
تجمعات حضرية وذهبت منظمة الأمم المتحدة في إحدى دراستها إلى اعتماد سقف 20.000
نسمة كأساس لإقامة التمييز بين المدن الكبرى والمدن الصغرى والعالم القروي.
المعيار الوظيفي: يجري بمقتضى هذا المعيار التمييز بين التجمعات الحضرية
والقروية وبالاعتماد على نسبة السكان النشيطين في المجال الزراعي مقارنة مع إجمالي
الساكنة النشيطة حيث يعتبر حضريا كل تجمع لا تتجاوز نسبة سكانه النشيطين في القطاع
الفلاحي 20% من مجموع السكان النشيطين.
المعيار الشكلي: بموجب هذا المعيار
فإن التجمعات العمرانية الحضرية هي تلك التي تتسع المجالات المبنية فيها ويجري
توزيعها بشكل منظم وفي إطار هندسة معمارية تختلف عن تلك المستعملة في العالم
القروي الذي يشهد إقامة أبنية بأدوات ومواد تختلف عن تلك المستعملة في أبنية الوسط
الحضري ولا تخضع الأبنية فيه لنفس ضوابط التصفيف والتنظيم ولا لنفس ضوابط الهندسة
المعمارية.
المعيار الاداري: وهو المعيار الرسمي الذي
تعتمده الادارة المغربية في التمييز بين التجمعات ذات الطابع الحضري والتجمعات
القروية وبموجب هذا المعيار الذي اعتمدت عليه المديرية الوطنية للإحصاء في الإحصاء
الذي قامت به سنة 1982 فإنه يعد تجمعا حضريا كل تجمع يصل أو يفوق عدد سكانه 1500
نسمة وتتوفر فيه أربعة من الشروط السبعة التالية: 1) التوفر على شبكة للكهرباء
2)التوفر على شبكة الماء الصالح للشرب 3) وجود شبكة للتطهير 4) وجود مستوصف أو
مركز صحي 5) وجود ثانوية 6) وجود محكمة 7) أن تكون نسبة السكان النشيطين فيه في
غير المجال الفلاحي تتجاوز 50%.
فتوفر أربعة من هذه الشروط إضافة إلى
الشرط المتعلق بعدد السكان الذي يجب أن يصل إلى 1500 نسمة على الأقل كاف إذن
لاعتبار التجمع العمراني تجمعا حضريا.
وعموما فإن كل هذه التجمعات سواء كانت
حضرية أو قروية هي ملزمة بموجب قانون التعمير 12-90 بالتقيد بمقتضيات المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية فما هي إذن الغاية أو الغرض منه؟
الفقرة الثانية: الغاية من المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية
يهدف هذا المخطط إلى وضع التوجهات العامة
التي ينبغي التقيد بها من أجل تنمية التجمع العمراني الذي سيطبق فيه لمدة لا يمكن
أن تتجاوز 25 سنة ولأجل ذلك فهو ملزم لوثائق التعمير التنظيمية ( تصاميم التهيئة
الحضرية وتصاميم تنمية التجمعات القروية وتصاميم التطبيق) التي يتعين عليها احترام
توجيهاته الهادفة على الخصوص إلى:
تحديد الاختيارات العامة للتهيئة اللازمة
لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية تتناسق للتجمعات العمرانية المعنية.
تحديد المناطق العمرانية الجديدة المزمع
احداثها وإقامة تواريخ السماح بالعمران فيها ووضع التخصيصات العامة للأراضي مع
ضروررة تعيين المناطق الزراعية والغابوية والمناطق الصناعية والتجارية والسياحية
والأماكن ذات الطابع التاريخي والأثري والمساحات الخضراء والتجهيزات الكبرى.
تحديد المناطق التي تخضع في تهيئتها لنظم
قانونية خاصة.
كما يعمل مخطط توجيه التهيئة العمرانية على
تحديد مبادئ الصرف الصحي وتحديد الأماكن الرئيسية لتصريف المياه المستعملة وأماكن
رمي النفايات المنزلية، ويقيم برنامجا يحدد فيه مختلف المراحل التي يتطلبها تطبيقه
مبينا الأعمال التي يجب أن تحظى بالأولوية.
تحديد القطاعات التي يجب القيام بإعادة
هيكلتها أو تجديدها أو هما معا.
وهكذا يلاحظ أن غاية المخطط التوجيهي
للتهيئة العمرانية وأهدافه متنوعة ومتعددة حيث تجمع بين غايات البحث على إقامة
التوازن ما بين المد العمراني وما بين حماية المجالات.
المطلب الثاني: محتوى المخطط التوجيهي
للتهيئة العمرانية
إن محتوى المخطط التوجيهي للتهيئة
العمرانية يتوافق مع الوظيفة التي يتوخاه نظام التخطيط الحضري المغربي، وهكذا فمن
حيث الشكل يتكون المخطط من رسوم بيانية (فقرة اولى) وتقرير شارح لها (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الرسوم البيانية
الرسوم البيانية تشمل خرائط للمنطقة التي
يغطيها المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية تترجم ميدانيا جانب التهيئة الموافق
عليه، فهي إذن عبارة عن خريطة للمناطق التي يهمها المخطط
تتولى تحديد الأغراض التي تخصص لها الأرض داخل هذه المجالات والمواقع التي سيشملها
المد العمراني والمحميات العمرانية ومواضع الأنشطة الرئيسة وأماكن التجهيزات
العمومية الأساسية وتحديد البيانات الأساسية للطرق ووضع تخطيط للعناصر الرئيسية
لشبكات الماء والتطهير وتحديد مبادئ التخلص من النفايات.
ويلاحظ بعد استعراض محتوى خرائط المخطط
التوجيهي للتهيئة العمرانية أنه يهتم بالخطوط الأساسية للتهيئة فهو لا يجمد
المستقبل لهذا يبقى قابلا للتطوير والتحسين كلما تطورت أو تغيرت الظروف التي على
أساسها تم وضعه وهذه الخرائط البيانية يمكن تلخيص محتواها كما يلي:
الوضعية الراهنة والتي تظهر في عمق
التصميم مبرزة حدود الجماعات، والغابات والأماكن الخضراء والمغروسة والتي يجب
المحافظة عليها.
مجموع التصاميم والتي تعطي صورة عن منطقة
المخطط عند الأمد البعيد.
المرحلة الأولى لإنجاز اختيارات المخطط
والتي تترجم ميدانيا التوجيهات ذات الأسبقية
الفقرة الثانية: التقرير
يحلل التقرير الوضعية الحالية التي يدعمها
بدراسة آفاق التنمية الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية لمجال المخطط ويختمها
بفرضية أو عدة فرضيات للتنمية، ويحدد اختيارات التهيئة التي يتطلبها تحقيق تنمية
متناسقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية ، كما يبين
اختيار التهيئة المعتمدة مع تبريره بالنظر إلى آفاق التطور التي تم قبولها
بالتوازن بين التنمية الحضرية والأنشطة القروية، كما يحدد المناطق العمرانية
الجديدة ومراحل افتتاح عمليات عمرانية بها.
كما يبين التقرير ويشرح اختيار التهيئة
المبين في خرائط استعمال الأراضي ويحدد التدابير التي يجب القيام بها لبلوغ
الأهداف المحددة فيه ويشير إلى مراحل تنفيذ الإجراءات المقررة خصوصا المراحل التي
يجب أن تزود خلالها المناطق المعنية بتصاميم التنطيق وتصاميم التهيئة وتصاميم
التنمية، وتجدر الإشارة إلى أن الرسوم البيانية والتقرير
يكمل بعضهما البعض بل كثيرا ما لا يمكن فهم أحدهما دون الاستعانة بالآخر لأن
الرسوم البيانية هي من إعداد تقنيين متخصصين في شتى المجالات: المواصلات والطرقات،
المناطق الخضراء، العقار، التجهيزات الأساسية، الديموغرافيا، السكن، الصناعة،
التطهير، المحافظة على البيئة...إلخ كما أن التقرير لا يغني لوحده بل لا بد من
توضيحه بالخرائط البيانية.
Commentaires